لماذا انعقدت القمة العربية الاسلامية ، بقلم : اللواء سمير عباهره
قبل ايام معدودة اتجهت انظار الشعب الفلسطيني خاصة وباقي الشعوب العربية عامة الى العاصمة السعودية الرياض التي استضافت القمة العربية الاسلامية علها تجد بصبص امل في انقاذ الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لحرب ابادة وتطهير عرقي امام اعين العالم الذي يقف متفرجا ولم يحرك ساكنا ازاء مجازر اسرائيل بحق المدنيين من الشيوخ والنساء والأطفال لكن سقف المطالب الفلسطينية جاءت بعكس التوقعات يصاحبها خيبة امل حيث كان الشعب الفلسطيني يمني النفس ان تخرج القمة بقرار يدين اسرائيل وتوجيه رسالة واضحة الى واشنطن التي تمتلك اوراق الصراع ومطالبتها بوقف الحرب ضد الشعب الفلسطيني.
المملكة العربية السعودية التي استضافت القمة والتي تتهيأ للظهور كقوة اقليمية في المنطقة تمتلك من المقومات ما يؤهلها للقيام بهذا الدور وكان من المفترض ان تفرض حضورها في المشهد السياسي الدولي والخروج بقرارات تؤكد على وحدة الموقف العربي حيال التحديات التي تواجهها المنطقة وفي مقدمتها العدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني. هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فان مصر التي تشكل مركز الثقل السياسي والعسكري والديمغرافي والجغرافي في النظام السياسي العربي كان من المفترض ان يكون لها الكلمة العليا ايضا في فرض موقفا يتماهى مع متطلبات المرحلة بحيث يصار الى توحيد الخطاب السياسي بما يمكنهم من فرض وجودهم في المعادلة الدولية بما يخدم المصالح العربية. وبالمجمل العام فان موقفا جماعيا من داخل القمة التي كانت تضم دولا عربية وإسلامية تمتلك من القوة ما يمكنها من فرض شروطها لأسباب كثيرة واقعية وموضوعية وضمن المعطيات المتوفرة كان يمكن ان يكون رسالة واضحة على استمرار الازمة التي تعصف بالمنطقة مع الاخذ بعين الاعتبار أهم العناصر المتداخلة فيها والعمل على وضع الحلول الجذرية لها.
كان من المفترض ان يكون هناك استفاقة عربية وتحت قاعدة ميزان الربح والخسارة في ظل الظروف الدولية المتغيرة والمستجدات التي تطرأ بشكل متسارع على الساحة الدولية وموازين القوى فنحن على اعتاب عصر جديد من العلاقات الدولية التي ترسم خارطة جديدة من التحالفات والتكتلات الدولية وبلا شك ان المنطقة ايضا تمر بتحولات استراتيجية وهذا يدعونا الى مراجعة شاملة لتفعيل استراتيجية عربية شاملة وتوظيف هذه التحولات والتغيرات في خدمة التوجهات السياسية والإستراتيجية العربية وحسم المواقف في ابراز كيان عربي يفرض نفسه بقوة على الساحة الدولية والخروج من حالة التيه هذه والتحرر من حالة التبعية والاصطفاف فالوطن العربي يمتلك كافة المقومات ليصبح قوة دولية ضاغطة.
ومن هنا فان التحولات والتغيرات الدولية والتي تركت تداعياتها على التوازنات الدولية وموازين القوى يجب ان تتأثر الامة العربية بها وفي الاتجاه الصحيح وبما يخدم المصالح العربية فصعود التحالف الروسي الصيني شكل نقطة تحول في اضعاف النظام العالمي الجديد وفتح ابوابا واسعة لاصطفاف عالمي جديد وتحرير القرار السياسي بما يخدم المصالح القطرية حيث ان هناك تحالفات جديدة تتشكل وعلينا الاختيار ان نكون جزءً منها ضمن الحفاظ على سيادتنا فقد بتنا نشهد بعض التحولات حيث ان اطرافا محسوبة تاريخيا على الولايات المتحدة والمنظومة الغربية اخذت تعيد النظر في خياراتها كنتاج طبيعي لتمكن روسيا والصين من تحجيم الدور الامريكي وهنا يجب الاشارة الى ان المملكة العربية السعودية اقامت شراكة واضحة مع الصين ويفوق حجم علاقاتها معها حجم تبادلاتها مع الولايات المتحدة وقد تركت الصين ايضا بصمتها في استعادة العلاقات السعودية الايرانية التي ظلت مقطوعة لعقود من الزمن ونجحت في استعادة التمثيل الدبلوماسي بينهما وهذا اتاح للملكة السعودية التفرغ لحل بعض الاشكالات الاقليمية كل هذه المعطيات شكلت انقلابا في التوازنات الدولية وموازين القوى حيث كان هناك اطرافا كثيرة بحاجة الى اسرائيل لتحسين صورتها لدى واشنطن لحماية نظمهم السياسية من الانهيار والآن تم كسر هذه القاعدة نتيجة الاختلال الذي طرأ على موازين القوى ولم تعد تلك الاطراف بحاجة الولايات المتحدة نتيجة صعود الصين وروسيا ومن حيث ان هاتين الدولتين ليس لهما ايضا سوابق استعمارية في المنطقة ولا اشتراطات سياسية على أي دولة كانت للدخول في علاقات معهما. وهكذا نجد ان روسيا والصين اصبحتا قوتين عظميين فيما اضحت القوى التي انتهكت المنطقة العربية في حالة هبوط وان العالم بات على اعتاب نظام متعدد الاقطاب في عالم سيكون اكثر عدلا وأمنا واستقرارا وسيادة لقانون دولي ينصف الجميع.
كل هذه المعطيات من المفترض استثمارها عربيا بما يخدم الامن القومي العربي والقضايا العربية عامة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية فيما توفر قرارا عربيا مستقلا بعيدا عن الهيمنة الغربية وباتت الظروف متاحة لذلك فلا يمكن بأي حال من الاحوال فصل الصراع عن بعده العربي بحكم ان الامن القومي العربي يجب ان يكون وحدة متكاملة وفي السياق ذاته يجب البحث في الاسباب التي ادت لتصعيد الصراع من قبل اسرائيل وشن حربا ضروسا ضد الشعب الفلسطيني خلفت وراءها الويلات لنجد في النهاية ان هناك اسباب كثيرة تقف وراء ذلك وفي مقدمتها عجز النظام العربي الرسمي فرض شروطه على الاسرة الدولية لحل الصراع مع ادارة اسرائيل ظهرها للاتفاقيات الموقعة مع الفلسطينيين والتنكر لحقوقهم ومن هنا بات المطلوب من المجموعة العربية اعادة القضية الفلسطينية الى واجهة الاحداث السياسية في ظل التطورات والتحولات السياسية التي ذكرناها في سياق هذا المقال ومن المؤكد انها تستطيع فرض شروطها بقوة لحصول الفلسطينيين على حقوقهم وإلا فان الحرب سيكون لها امتدادات اقليمية.