قبل احد عشر عاما احتضنت كنيسة المهد في بيت لحم أبناءها الذين حصروا فيها، بعد أن كانوا يدافعون عن شرف وكرامة الأمتين العربية والإسلامية، ويقفون أمام جبابرة الأرض وأعداء الإنسانية-الاحتلال الإسرائيلي-، وقفوا وقاتلوا وواجهوا هذا العدوان الهمجي الذي استهدف مدينتهم وأبناء شعبهم، ورغم شراسة الهجمة الإسرائيلية عليهم إلا أنهم صمدوا أمام آلة البطش العنصرية الفاشية، لينتهي بهم المقام محاصرين في كنيسة المهد بعد المقاومة الضارية التي واجهوا بها هذا الطغيان، أو ما يسمى بالجيش الإسرائيلي.
بدأت قصة العشق بين المحاصرين وكنيستهم عندما دخل أول مقاتل ومقاوم كنيسة المهد، لتبدأ معركة أخرى اشد ضراوة، معركة الصمود والتحدي ، حاولت كنيسة المهد بكل ما أوتيت من قوة أن تحمي أبناءها، بجدرانها بأعمدتها بل بكل أركانها وجنباتها، وقفت لتدافع عمن احتضنتهم وأحبتهم بل وعشقتهم، لأنهم أبناءها وثوارها ومقاوميها، فأمدتهم بالحنان والعطف والدفء رغم حصارها ورغم استهداف كل جزء فيها من قبل عدو لا يعرف معنى للمقدسات أو قدسية مهد السيد المسيح “علية السلام” ورغم جراحها وآلامها وهمجية المحتل ضدها، إلا أنها استمرت في احتضان أبناءها وهي تنزف دما وتنزف دمعا على من فقدتهم من أبناءها.
وقفت كنيسة المهد صامدة شامخة تدافع عن أبناءها الذين صمدوا وصبروا على الجوع والعطش، على الخوف والإرهاب، وصرخوا من عمق الجراح في وجه الاحتلال الغاصب لن نستسلم، نموت واقفين ولن نركع، فزادت الكنيسة تعلقا بهم وأمدتهم بالمزيد من حنانها وعطفها، بل وأعلنت أنها لن تسلم أبنائها إلى أعدائها .
طوال 39 يوما من الحصار والدمار للكنيسة إلا أنها صمدت وصمد أبناءها ، صبرت وصبر أبناءها ، وضحت وضحى أبناءها، بل واستمد أبناءها صمودهم من شموخها وإباءها أمام آلة الحرب الهمجية، والتي استهدفت أبناءها الثمانية الذين ارتقوا إلى العلى شهداء لينقلوا البشارة إلى رسول السماء السيد المسيح “علية السلام” بان أبناء بيت لحم ما زالوا مصرين على حقهم بالحرية والعدالة والكرامة ، مؤمنين بعدالة قضيتهم، موقنين بان النصر للمستضعفين لا محالة.
رصاص وقنابل؛ قصف ودمار ؛ شهداء وجرحى ؛تهديد ووعيد، إلا أنها بقيت صامدة مدافعة بكل قوة عن أبناءها، إلى أن دقت ساعة الرحيل وانفصال الحبيب عن الحبيب، وفقت لحظتها فرحه تارةً لأنها حفظت أبناءها الذين خرجوا صامدين منتصرين، وحزينة تارةً أخرى على رحيلهم عنها، فبكت مرة ومرة وحاولت أن تخفي بكاءها وحزنها، لتودع ابناها الذين عشقوها واحبوها.
كل عام تتذكر كنيسة المهد أبناءها، تبكيهم وتشتاق إليهم وتتذكر غيابهم عنها منذ 11 عام، وتتساءل هل ممن ينتصر لأبنائي ويرجعهم إلى حضني الدافئ؟ هل ممن يتذكر عذاباتي وعذاباتهم وهم يفقدون أحبابهم، هل ممن يتذكر أن لها أبناء ابعدوا ولم يعودوا، ولكنهم ما زالوا على العهد وعلى الحب باقون، ولقضيتهم لن ينسون ولوطنهم مخلصون ولأهلهم في الشتات مطمئِنون أن العودة إلى الحبيب والوطن السليب لن تطول ولن تطول بإذن الله.
والى أن يعود الحبيب ويلتقي بالحبيب، فستبقى كنيسة المهد كل عام تبكي أبناءها وتتألم لفراقهم وعذاباتهم، وصمت وتجاهل العالم اتجاه قضيتهم، والجريمة التي ارتكبت بحقهم أمام من يدعون الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويغضون الطرف على استمرار هذه الجريمة الإسرائيلية بحق أبناءها، لذلك فان كنيسة المهد ما زالت كل عام تبكي أبناءها فإلى متى؟
المبعد فهمي كنعان