شفا – كانت ليلة ملبدة بالغيوم، غاب فيها ضوء القمر، وكأنها تنذر بكارثة توشك أن تقع في منزل فؤاد الصوالحي، انقضت ساعات الليل متثاقلة، التفت فيها العائلة حول والدتهم المريضة، فبعد أن أدت صلاة العشاء الأخيرة، سقطت طريحة الفراش وبدت عليها علامات الإعياء الشديد من ارتفاع درجة الحرارة والهزال.
ومع نسمات الصباح الأولى ازدادت معاناة الحاجة سعاد ذات الثمانية والخمسين عاماً، لتطفو على جسدها الهزيل التهابات جلدية وطفح في جميع أنحائه، وتلفظ أنفاسها الأخيرة بين يدي زوجها.
لم تتوقف معاناة العائلة عند هذا الحد، ففي اليوم الثاني لعزاء والدتهم أصيب حفيدهم الأول «مالك» ابن التسعة أشهر بنفس الأعراض المرضية التي أدت لوفاة جدته، ليمكث أحد عشر يوماً في مستشفى كمال عدوان الحكومي شمال القطاع، ويظهر التشخيص الطبي أن الطفل وجدته يعانيان من «التهاب السحايا»، وأنواع أخرى من البكتيريا، التي استوطنت جسده وأضحت تلازمه على مدار سنوات عمره.
اختلاط شبكات المياه والصرف الصحي –وفق الصوالحي- في منطقة سكناه بمخيم جباليا شمال القطاع، كان وراء فقدان ربة العائلة، فعلى مدار أسبوع قبل الحادثة عانت المنطقة من تلوث المياه واختلاطها بالمياه العادمة، ويقول: «ترك عدد من الجيران منازلهم ورحلوا إلى مناطق أخرى في اليوم الأول من الحادثة خوفاً على حياتهم بعد أن أصبحت المنطقة غير آمنة».
مالك يبلغ من العمر الآن عامين، اعتاد على زيارة المستشفى ثلاث مرات شهرياً، ولا يكاد يخلو جسده من بقع «سوداء وزرقاء»، علاوة على ضعف المناعة لديه، فيما أجرت وزارة الصحة بعد الحادثة فحوصا أثبتت تلوثها بمياه الصرف الصحي، كما قدمت لهم إجراءات وقائية لتفادي إصابة آخرين «وفق الصوالحي».
يكشف التحقيق الاستقصائي ارتفاع معدل التلوث البكتيري والكيميائي في مياه القطاع، نتيجة لتسرب مياه الصرف الصحي إلى الخزان الجوفي والشبكات من جهة، والاستنزاف الجائر للخزان من جهة أخرى، ما أدى لارتفاع معدل الأمراض المرتبطة بالمياه خاصة البكتيرية منها، متسببة في حالات وفاة لم توثقها وزارة الصحة، التي أثبت التحقيق تقصيرها في الكشف الطبي وتسجيل الحالات المرضية المتعلقة بتلوث المياه، ويظهر أن سلطة المياه وبلديات القطاع تتحملان الجزء الأكبر من مسؤولية تلوث المياه فيما يتحمل المواطن الجزء الباقي منها.
فسكان قطاع غزة – المقدر عددهم بمليوني نسمة يسكنون فوق 365 كم مربع، هي أكثف بقعة سكانية في العالم – يعيشون مشكلة تسرب مياه الصرف الصحي للخزان الجوفي، حيث ان 65 % منهم متصلون بشبكات الصرف الصحي، والباقي يتم تصريفه عبر القنوات المفتوحة وإلى باطن الأرض من خلال الحفر الامتصاصية، الذي بدوره يتسرب للخزان الجوفي ويسهم في مزيد من التلوث، حيث وصلت نسبة المياه الصالحة للشرب إلى5 % من إجمالي مياه الخزان الجوفي، وهي عرضة للنفاذ بحلول عام 2016.
التقرير الصادر عن وزارة التخطيط في غزة حول قطاع الصرف الصحي بين أعوام (2010 و2020 ) يؤكد أن ثلث سكان غزة غير متصلين بشبكات الصرف الصحي، ويعتمدون على الحفر الامتصاصية لتصريف المياه العادمة، خاصة مدينة خان يونس جنوب القطاع، حيث يتصل حوالي 40 % من السكان بشبكات الصرف الصحي، الأمر الذي أدى إلى «زيادة نسبة التلوث في المدينة وتدهور نوعية المياه»، وفي شمال القطاع ومدينة رفح جنوباً يتصل70 % من المنازل بشبكات الصرف الصحي، بينما تزداد النسبة في مدينة غزة لتصل إلى 80 %، وتنخفض في المنطقة الوسطى إلى ما نسبته 64 %، حسب التقرير.
مؤشرات خطيرة
فؤاد الصوالحي، قبل أيام من حادثة الوفاة، لاحظ خروج بعض الديدان حمراء اللون مع مياه الصنبور في منزله، «بقيت المياه ملوثة بالصرف الصحي في منزلي على مدار أسبوع دون اكتراث الجهات المسؤولة التي أبلغتها مراراً، كما أنني لا أجد سبباً لما حدث سوى تلوث المياه بالصرف الصحي، خاصة أنه لم تظهر أي أعراض مرضية على زوجتي وحفيدها قبل الحادث»، لافتاً إلى أن الأطباء رفضوا تزويده بتقرير طبي يؤكد ارتباط الحالتين بتلوث المياه في منزله.
في مختبر الصحة العامة التابع لوزارة الصحة التقينا مسؤول التحليل المخبري لعينات مياه الشبكات والآبار ياسر البيومي، الذي أشار بدوره إلى أن التشخيص الطبي لحالة المواطنة سعاد وحفيدها لا يمكن أن تكون صحيحة، مؤكداً أن «التحليل الميكروبيولوجي لعينات المياه من الآبار والشبكات في القطاع، أظهر مؤشرات حيوية على التلوث الغائطي للمياه، نتيجة لاختلاطها بمياه الصرف الصحي.
ويضيف البيومي أن العينات العشوائية التي فحصها المختبر «تصل فيها نسبة التلوث إلى20 %، وأن معدلاته ازدادت بعد عام2008، فهي أعلى بكثير من المسموح به عالمياً وفلسطينيا، ويلفت إلى أن فحص عدد من العينات أظهر وجود بكتيرياAERUMONAS HYDROPHYlA التي تسبب الحمى المعوية، والتهابات خطيرة قد تؤدي إلى الوفاة، موضحاً أن مصدرها الوحيد هي المياه العادمة، ويقول «تسببت هذه البكتيريا بوفاة أربعة أطفال من مخيم البريج وسط القطاع، وبالرغم من أن المستشفى نفت وجود علاقة لتلوث المياه بوفاتهم، إلا أن فحص المياه أظهر وجود البكتيريا التي كانت سبباً في حالات الوفاة».
البيومي الذي قام بفحص المياه على عاتقه الشخصي دون أي طلب رسمي من الجهات المسؤولة، يضيف «الفحص المخبري أظهر وجود نوع آخر من البكتيريا تسمى «Pseudomonas»، وهي تشكل خطرا جسيماً على الصحة العامة، وميكروب «Klebsidla pneumonia» الذي يعمل على تسمم الدم، وقد أدى لوفاة عدد من الحالات لم يتم توثيقها»، لافتاً إلى أن خطورة هذا الميكروب تكمن في مقاومته الشديدة للمضادات الحيوية، مؤكداً أن مياه القطاع لا تصلح للاستخدام الآدمي، ويمنع ضخها في الشبكات.
نتائج خطرة
لأغراض هذا التحقيق، أجرينا تحليل عينات من مياه الشبكات والآبار منتصف شهر تشرين الثاني 2012، لست عينات في مناطق متفرقة من قطاع غزة في معهد المياه والبحوث بجامعة الأزهر، أظهر ارتفاع نسبة الأملاح بدرجة عالية في جميع المناطق خاصة مخيم الشاطئ، إذ وصلت إلى 1600 مليغرام/لتر، بما يعادل نسب الملوحة في مياه البحر، الأمر الذي يؤدي إلى أمراض الفشل الكلوي، وأملاح الكلى والحصوات، بجانب ارتفاع تركيز عنصر الصوديوم الذي يشكل خطراً على صحة الإنسان خاصة مرضى «ضغط الدم»، إضافة إلى ارتفاع معدلات الحموضة ودرجة التوصيل الكهربائي وعنصر الكلور، ما يعني أن المياه غير صالحة من الناحية الكيميائية.
وأظهرت التحاليل تلوث أربع عينات من أصل ست بعنصر النيترات أضعاف الموصى به عالميا، إذ وصلت إلى ما يقارب 100 ملغم/لتر، في حين أن المعدل العالمي لا يتجاوز50ملغم/لتر، فالمصدر الأساسي لهذا التلوث –حسب التحليل- هو مياه الصرف الصحي والمخصبات الزراعية، مهددة بخطر انتشار مرض زرقة الأطفال، وإجهاض الحوامل والسرطان.
أما من الناحية الميكروبيولوجية، فقد وصلت نسبة التلوث «بالقلونيات الكلية» _ المعروفة علميا باسم «Total coliform»_ إلى50 %، ما يعني وجود مستوطنات من البكتيريا الممرضة في المياه، فيما لم تظهر التحاليل تلوث المياه «بالقلونيات البرازية» _ المعروفة علمياً باسم « Fecal coliform»_، إلا أن تحاليل مختبر الصحة التابع للوزارة الذي ترتفع النسب فيه عما توصل إليه التحقيق، أظهرت تلوث الكثير من عينات الآبار والشبكات بها.
أرقام دولية
وفقاً لتقرير منظمة الأمم المتحدة للأطفال (اليونيسيف) الصادر في 2010، يرتبط نحو 26 % من الأمراض في غزة بحالة المياه، وحسب اليونيسيف فإن تلوث الخزان الجوفي بالنيترات يشكل تهديداً للأطفال الرضع والنساء الحوامل، وأحد أمراض الأطفال المتصلة بالمياه الملوثة هو «الميتهيموغلوبينميا»، أو ما يسمى بمتلازمة الطفل الأزرق، الذي بدأ بالظهور في صفوف الأطفال الذين ولدوا في قطاع غزة».
وفي دراسة للدكتور ماجد ياسين المختص في شؤون البيئة استمرت لسبع سنوات بدأها عام 2000، يظهر أن «التلوث الميكروبيولوجي في آبار وشبكات القطاع يفوق بما هو مسموح به عالمياً، وأن التلوث في الشبكات أعلى بكثير منه في الآبار، ما يعني اهتراء الشبكات وعدم صلاحيتها.
وتظهر الدراسة وجود علاقة قوية بين تلوث المياه بمجموعة القولون البرازية «Fecal coliform» والأمراض المعوية في القطاع، وأن المواطنين الذين يستخدمون مياه الشبكات معرضون بشدة للإصابة بالأمراض.
في منطقة الشوكة الريفية جنوب القطاع وحسب مصدر طبي، رفض الكشف عن اسمه، «يصل عدد المصابين بالأمراض المرتبطة بالمياه إلى سبع حالات يومياً، أي (2184) حالة سنوياً، ومنها حصى الأملاح والكلى والديدان والبكتيريا بأنواعها، علاوة على أن 5 % من السكان لا يراجعون العيادة نظراً لبعد المسافة».
وزارة الصحة في غزة تصم أذنيها عن انتشار الأمراض المرتبطة بالمياه، بل تنفي وجود أي علاقة لانتشار الأمراض بالتلوث، ففي قسم الرعاية الأولية في الوزارة، يقول الدكتور مجدي ضهير: «لا يوجد ما يؤكد علاقة أي مرض بتلوث المياه في قرى ومدن القطاع لتداخل الكثير من العوامل البيئية فيها»، موضحاً أن مراكز الرعاية الأولية لا توثق كل الحالات المرضية، وأن الكثير منها لا يضاف إلى السجلات الرسمية.
مخاطر محدقة
بحسب مركز المعلومات الوطني الفلسطيني، فان تلوث المياه يسبب أضراراً بالصحة العامة، إذ ان تزايد نسبة الكبريت تسبب الأمراض الجلدية، وتزايد نسبة الفلورايد تسبب مشاكل في العظام لدى الكبار، وتآكل الأسنان عند الصغار، وتزايد نسبة النيترات تسبب مرض السرطان، وتزايد الرصاص يسبب التسمم والتخلف العقلي لدى الأطفال، عدا الأمراض المعوية والطفيلية مثل الجارديا والديدان والأنتاميبا.
ويوضح الدكتور محمود ضاهر مدير مكتب منظمة الصحة العالمية في غزة، «أن أكبر مشكلة تواجه مياه الخزان الجوفي هي تسرب المياه العادمة للخزان الجوفي، لاحتوائها على نسبة عالية جداً من النيترات والملوثات الكيميائية، فحوالي70 % من مصادر المياه تحتوي على نسبة نيترات أضعاف ما أقرته المنظمة، وأن النسبة ترتفع في المناطق الجنوبية والشمالية من القطاع».
ويشير ضاهر إلى أن الاستنزاف الجائر للخزان الجوفي في القطاع، خلق حالة من عدم الاتزان في نوعية المياه الجوفية، موضحاً أن «النيترات» من أخطر العناصر الكيميائية على الصحة وخاصة الأطفال، إذ ان لها ثلاثة مستويات من التأثير على الإنسان، ففي حال زيادتها عن الحد المسموح به تحدث تغيرات في هيموغلوبين الدم، وبالتالي تؤدي إلى الخلل الدماغي وزرقة الأطفال، إضافة إلى ضعف التحصيل العلمي.
«كما أن انتشار الأمراض الباطنية كالإسهال والتهاب الكبد الوبائي والديدان كان ناتجاً عن تلوث المياه بالبكتيريا، والعديد من الأمراض التي لا يوجد لها تفسير، يمكن إرجاعها لتلوث المياه» حسب ضاهر.
ويتابع «لا يوجد مختبرات ذات جودة عالية لتحليل المياه وكشف الملوثات بداخلها، والخطر الذي يتهدد الإنسان جراء ذلك التلوث، كما أن المعلومات المتوفرة عن النظام الصحي قليلة جداً».
شكاوى المواطنين
أدراج مكتب مدير دائرة المياه والصرف الصحي في بلدية غزة، التي تعتبر أكبر بلديات القطاع، تعج بشكاوى المواطنين جراء تلوث المياه وملوحتها العالية وعدم صلاحيتها للاستخدام الآدمي، وفق شكواهم لكاتب التحقيق، والتي رفض مدير الدائرة رمزي أهل اطلاعنا على نسخها المكتوبة.
من بين تلك الشكاوى، ما تقدم به أهالي حي أبراج الفيروز غرب مدينة غزة قبل سنوات، حول انتشار الأمراض المعوية والجلدية.
ويقول المواطنون في شكاواهم، إن «المياه عالية الملوحة وملوثة بمياه الصرف الصحي، ما أدى لظهور أمراض كـالطفح الجلدي، والأمراض المعوية، وتساقط الشعر، علاوة على العبء الاقتصادي الناتج عن تلوثها»، ويتهم الناطق باسم أهالي الحي يونس التركماني، البلدية بالتقصير في حل مشكلة المياه، متسائلاً «لماذا لا تسعى البلدية ووزارة الصحة لحل المشكلة قبل تردي الوضع الصحي، فقد أصبحت مياه البحر أفضل من مياه الشبكات؟».
المهندس رمزي أهل مدير دائرة المياه والصرف الصحي في البلدية، يرد على هذه الاتهامات «ليست مشكلتنا كبلدية معالجة التلوث، وإنما هي مشكلة وطنية، لا يمكن حلها إلا بوجود بديل عن الخزان الجوفي.
الحفر الجائر
أربعة آلاف شيقل (1000 دولار تقريباً)، تكفل حصول أي شخص على ترخيص لحفر بئر في قطاع غزة دون أي إجراءات رقابية، إلا أن الغالبية تقوم بالحفر دون ترخيص، بل يذهب بعضهم إلى بيع المياه.
ففي أواخر التسعينيات، حصل المزارع أبو هيثم على ترخيص لحفر بئر في أرضه الواقعة بمدينة رفح جنوب القطاع، إلا أن البئر ازدادت ملوحتها مع الزمن، ما دفعه لاستخدام نفس الترخيص وحفر بئر جديدة، ويقول :»أملك ثلاثين دونما زراعية، بحاجة لكميات مياه كبيرة، لا تتوفر إلا من الخزان الجوفي»، كما أنه يبيع المياه للجيران دون ترخيص يخوله بذلك، مبرراً الأمر بعدم وجود أي سلطة رقابية.
قانون»الاستثناء»
سلطة المياه، الجهة المسؤولة عن الخزان الجوفي والمياه في قطاع غزة، يقر مديرها المهندس مازن البنا بسماح سلطته «استثنائياً» بحفر الآبار دون الحصول على ترخيص، قائلاً:»سمحنا للبعض بحفر الآبار وفق ما تراه الإدارة مناسباً، إلا أننا منعنا بشكل قطعي حفرها في الجهة الغربية، للحد من ظاهرة تداخل مياه البحر للخزان».
وفي الوقت الذي يؤكد فيه البنا قيام إدارته بالدور المنوط بها في الرقابة على حفر الآبار وعلى كميات المياه المستخرجة منها، يرفض تزويدنا بما يثبت ذلك، كما أن متابعة معد التحقيق لعدد من الآبار المرخصة، أثبتت غياب الرقابة الرسمية عليها، وسلطة المياه تكتفي بترخيص البئر، » هذا ما أكده أبو هيثم بقوله:» إنه منذ حفر بئره لم يجد أي متابعة من الجهات المسؤولة».
ومن ناحية أخرى، يشير مدير سلطة المياه بغزة سابقاً المهندس محمد أحمد، إلى أنه جرت محاولات عديدة لتفعيل الأنظمة الرقابية بالتعاون مع السلطة التنفيذية، »إلا أن كثيراً من المتنفذين أحبطوا دورها، خاصة أن القضاء لا يحكم بقوانين المياه ولا يجرم من يخالفها» وفق قوله.
ويؤكد أحمد، أن في غزة ما يقرب من 10 آلاف بئر غير مرخصة، وأن الظاهرة التي ترجع لعشرات السنين، ازدادت خلال فترة الحصار الإسرائيلي، مبيناً أن الخزان الجوفي لن يصمد طويلاً في ظل العجز المائي، خاصة أن «ما تم تعويضه من الخزان يبلغ نحو 70 مليون متر مكعب، في حين أن المستهلك يعادل 180 مليون متر مكعب».
ولم يعف أحمد الغزيين من مسؤولية تدهور الوضع المائي، «فتعديات المواطنين شكلت عاملاً خطيراً في إهدار المياه وإضعاف كفاءة الشبكة»، متهماً السلطة التنفيذية بالتقصير في تطبيق القانون.
المواطن في قفص الاتهام
منذر شبلاق مدير عام مصلحة مياه بلديات الساحل، يقول «إن ارتفاع نسبة المركبات الكيميائية في المياه، يأتي نتيجة للسحب غير المنظم للمياه الجوفية، إذ وصلت نسبة المياه غير الصالحة للاستخدام الآدمي لـ95 %، فيما يرجح فقدان ما تبقى منها خلال السنوات القليلة القادمة».
ويشير شبلاق إلى أن عام 2016، سيشهد نفاد المياه الصالحة للاستعمال في غزة، وعدم مقدرة البلديات على توفيرها للمواطنين، مستدركاً «يجب وضع مخطط استراتيجي لتعزيز مياه الخزان الجوفي في الأعوام المقبلة».
يلفت شبلاق، إلى أن المواطن يسمح لنفسه بالتعدي على الشبكات، وإنشاء الوصلات غير شرعية التي لا تتوافق والمعايير الهندسية، ما يؤدي لاختلاطها بمياه الصرف الصحي، موضحاً أن «كفاءة الشبكة لا تتجاوز 50 %، وأن المواطنين يوصلون أنفسهم بالشبكات العامة من خلال قطع خطوطها، والتوصيل دون المعايير الهندسية».
دراسة ميدانية
وحسب استبانة وزعت لصالح التحقيق، على عينة عشوائية تتكون من 150 أسرة في محافظات القطاع الخمس، فإن 89 % من عينة الدراسة تجد علاقة بين تلوث المياه في قطاع غزة والأمراض المنتشرة فيه، في حين أكد 58 % منهم إصابة أحد أفراد الأسرة خلال الستة أشهر الماضية بأمراض معوية وجلدية، كان من بينها «الالتهابات المعوية بنسبة 18 %، 19 % للأمراض الجلدية، 10 % للطفيليات والإسهال كل على حدة 16 % أصيبوا بالديدان بأنواعها، 13 % بالبكتيريا، 18 % منهم بتساقط الشعر، 9 % تبقع الأسنان، 6 % أصيبوا بالفشل الكلوي وحصى الكلى والأملاح كل على حدة، 4% بزرقة الأطفال.
حلول مقترحة
وينصح خبراء المياه، الاعتماد على مصدر آخر كمياه البحر من خلال إنشاء محطة تحلية تبلغ تكلفتها حسب التقديرات الأولية 300 مليون دولار، (يصعب إنشاؤها لرفض السلطات الإسرائيلية إدخال المعدات اللازمة لذلك)، والعمل على إيصال جميع المواطنين بشبكة الصرف الصحي، لكي لا تتسرب المياه العادمة للخزان الجوفي. الباحث في مجال البيئة أحمد حلس، يرى أن مشكلة المياه «لن تحل إلا بمحطة تحلية لمياه البحر، ووقف استنزاف الخزان الجوفي، والعمل على استيراد المياه من الضفة الغربية، والحصول على الحقوق المائية التي يسرقها الاحتلال، كما أن القطاع بحاجة لمصائد لمياه الأمطار» . ومن جانبه يقترح عدنان عايش رئيس قسم المياه والبيئة في جامعة الأزهر، بإعادة حقن مياه الصرف الصحي المعالجة في الخزان الجوفي، لتعويض الفاقد ورفع منسوب الخزان، ومع طرحه لفكرة تحلية مياه البحر، يطالب بالتنبه «لافتقار مياه البحر لبعض العناصر كالكالسيوم والماغنيسيوم التي قد يؤدي فقدانها لمشاكل صحية للإنسان».
تم انجاز هذا التحقيق بدعم من شبكة (إعلاميون من اجل صحافة استقصائية «أريج») وبإشراف الزميل وليد بطراوي
الأمم المتحدة في تقريرها بعنوان «الماء والأرض في غزة» الصادر في آب من عام 2012 أكدت أن الوضع المائي في غزة يشكل خطورة على حياة السكان وأنهم قد يفقدون قريباً المصدر الرئيسي للمياه العذبة، إشارة إلى خزان المياه الجوفية الكائن تحت المنطقة الساحلية، الذي سيصبح غير صالح للاستخدام بحلول عام 2016، ويصاب بأضرار لا يمكن إصلاحها بحلول عام 2020، حسبما ذكر التقرير.
ويتوقع التقرير أن يبلغ الطلب على المياه 260 مليون متر مكعب في عام 2020، بزيادة قدرها نحو 60 % عن المستويات السائدة حالياً، وأن الأضرار التي لحقت بطبقة المياه الجوفية الساحلية ستكون غير قابلة للإصلاح ما لم يتم اتخاذ تدابير علاجية فورية.