كفى ثرثرة! بقلم : موفق مطر
تعلمنا من جهابذة وأساتذة الاعلام والصحافة صياغة البيانات والتصريحات الصحفية، وأن الموقف هو الأهم في (الرسالة) الموجهة للجمهور، بقصد تكوين رأي عام حول قضية ما، أو إعلام الجمهور بموقف الجهة المصدرة للبيان أو التصريح (الرسالة)، وفي الدائرة الفلسطينية كان (المتلقي) ينتظر البيان أو التصريح لإدراكه أنه مقرون بالفعل، ولم يكن مجرد حبر على ورق أو مجرد كلمات نارية (خلبية) أو (فشنك) تطلق في الهواء!
أما اليوم فإننا عند كل حدث في الوطن، يبادرالجميع لإغراق الشارع ببيانات وتصريحات تبثها وسائل الإعلام وتكررها مواقع اخبارية والتواصل الاجتماعي، لكن إذا ألقينا نظرة فاحصة فإن نسبة عالية جدا من المطروح (ببلاش) لا يتجاوز إسقاط أوصاف ومصطلحات لا صلة لها بالحدث، أو قد يتم تحميل الحدث أضعاف حقائقه ووقائعه، سواء كان محليا، أو في إطار النضال الوطني، أو في سياق جرائم ارتكبها جيش أو مستوطنو منظومة الاحتلال والاستيطان والإرهاب الصهيونية (إسرائيل)، فيبدو لنا الأمر وكأن الحدث بات فرصة للناطق للضغط على زناد لسانه على وضعية (الرش) بينما الأمر يتطلب إدراكا جيدا للحدث من حيث التفاصيل والمعلومات وقراءة أبعاده، وتقديم الموقف (دراكا) أي (حبة حبة) ليسهل على المتلقي استيعاب الموقف النظري، وفهم ما سيفعله ساسة الإطار السياسي الذي ينتمي له الناطق لمواجهة الحدث أو التعامل معه، وكيفية ذلك؟! ويبدو لنا الأمر أيضا بالنسبة لمصدري البيانات الصحفية، وكأنها فرصة لاستحضار صور البراكين والزلازل ونيرانها ودمارها، وإحراق الورق بكلمات وجمل تفتقد للحد الأدنى من أصول اللغة وفصاحتها، والنحو الإملاء أيضا، وكأن مصدر البيان غير معني بالفوارق بين المعرف والنكرة، أو بين الصفة والحال، أو بين الوصف وصف الكلمات بين قراءة الحدث والرؤية البعيدة المدى لأسبابه وظروفه، ولحظته الزمانية، ومكانه، وأبعاده، لذلك يهرب هؤلاء نحو باب وفصل كلمات الوصف في قاموس اللغة، وينسخون منه ما ليس له علاقة بجوهر (البيان الإعلامي) الصادر عن كيان سياسي قد يكون فصيلا أو تنظيما أو حزبا ذا وزن جماهيري، فتزدحم الكلمات الانفعالية الشبيهة بالسباب والشتم، والتشكيك، فتقرأه وكأن الأمر مشكلة بين شخصين يحاول كل منهما تشويه سمعة الآخر بما خطر له من مصطلحات استخفاف أو تحقير أو اتهام، أو وصفه بما جادت قريحته المنفعلة، والأفظع من ذلك أن البعض يسجل كذباته الكبرى في بياناته، وكأنه لا يعرف أنه يكذب، أو لا يعلم أن الجمهور قد كشف منهج الكذب الذي اتخذه دستورا!
يتحمل الناطق مسؤولية الإضرار بجماهيرية الكيان السياسي الذي ينتمي إليه، إذا أصدر تصريحات غير مسؤولة شكلا ومضمونا، أو إذا استخدم الحدث لإثبات وجوده الشخصي على حساب (كيانه السياسي) عبر دخول معمعة البيانات إثر كل حدث في الوطن، وتحديدا عندما يتعلق الأمر بجرائم منظومة الاحتلال الإرهابية (إسرائيل) ويتحمل مسؤولية عملية إفراغ معنى الناطق ومهمته، وتحويلها إلى ما يشبه برامج (ما يطلبه الجمهور)!! وهنا تكمن المصيبة المتراكمة التي لطالما كانت وما زالت موضع انتقادنا لكيانات سياسية عربية ودولية ما زالت تصريحات المسؤولين فيها نفخا في الهواء، وبيانات قممهم ومؤتمراتهم حبرا على الورق!! رغم براعتهم في صياغة بياناتهم، عكس البعض عندنا الذي تحسبه أميا، عندما تسمعه عبر وسائل الإعلام، أو يصدر بيانا باسمه ثم ينسبه على أنه موقف كيانه السياسي!! لكن القاسم المشترك بين ذاك البليغ وهذا نصف الأمي هو غياب الفعل، وآلية العمل لمواجهة الحدث، حتى لو تم تسجيلهما في البيانات، أو نطقهما بالتصريحات، فإن للجماهير عيونا وآذانا وحواس ترصد الساعة التالية واليوم التالي وحتى الأسبوع والشهر ما بعد البيان والتصريح!
إن اعتبار العقل الفردي والجمعي للجماهير والرأي العام، بمثابة فاحص وباحث دقيق الملاحظة، ويتمتع بقدرة عالية للمقارنة بين كلام الناطق وبيان الكيان السياسي وفعله وأعماله على الأرض، أحد أهم عوامل كسب الثقة والاحترام من الجماهير، ليس هذا وحسب، بل يعزز مسيرة العمل الوطني الجمعي، فللتواصل والخطاب مع الجماهير فنون وقواعد علمية نظرية، لا بد من اتخاذها لرفع مصداقية (الرسالة الإعلامية) للناطق، والبيان، فالأصل أن اللغة الصحيحة السليمة، المؤثرة ببلاغتها ووضوحها وبساطتها ترقى لمستوى الوجدان والضمير هي التي يجب أن تكون حاضرة في كلام الناطق والبيان، وخلاف ذلك فلا يعتبر أكثر من ثرثرة!