تفادى يا أنت السقوط في مستنقع طين لزج بلا قاع! بقلم : موفق مطر
تفضل يا أنت إلى مسارات البحث، انظر وتعمق بقراءة كل التفاصيل، ولكن اخلع المواقف السلبية المسبقة المتراكمة من (ما رأيت.. وإنما قالوا لي)، فالنقد البناء حق لك لا تفرط به، ولا تعدمه بسلاح العدمية والعبثية، فشخصنة القضايا تحرقها، أما مناقشتها بعقل واقعي موضوعي منفتح، فإن الأبواب المغلقة في مسار النجاح فإنها ستفتح حتما.
لا تجلس يا أنت مكانك، تنظر، تحكي، تكتب، تخطب، فهذه الأفعال في زمن العمل الجاد لا صلة لها بالإخلاص والوفاء لإنسانيتك يا صاح، فالعمل شرف، أما القعود على كراسي مسميات والاتكاء على وسائد مخملية في الدائرة المريحة، فإنه عمل شر… فاحذر أن تصبح كل الأفعال أكوام أشواك تلف رأسك وتوقعك في حبائل الأشراك والأفخاخ.. فالكلام يصدقه العمل الصالح، وصدى العمل الصالح تسمعه استحسانا وتقديرا واحتراما ومحبة، وإياك أن تفكر بأن المنصب أو الموقع الممنوح لك جائزة! فهذا الموقع لتعمل أكثر وتبدع أكثر، أما إذا تراخيت وجعلت من منصبك أو موقعك في هرم أخذ القرار واقيا يمنعك من النقد، أو يعفيك من التطور والتطوير، ويجردك من مبدأ العمل حتى الرمق الأخير، فهذا وهم، وخيلاء، لأن للناس معايير أخلاقية ثابتة، وتقيس بميزان عادل، لا يقل عدالة عن ميزان القضاء، حتى إذا انكسر ميزان حل الآخر على منصة الحساب والجزاء، خيرا كان أو شرا.
لا تبالغ في كلامك عن إنجازات الآخرين، أي لا تقلل من شأنها وتدفعها نحو الحضيض، بقوة أنانيتك وحسدك، ولا ترفعها أكثر مما تستحق فتخرجها إلى مسار فقدان الوزن والتوازن، ولا تتصيد أخطاء صغيرة يقع بها العاملون بإخلاص وجد، لأنك بذلك تكشف مربعات الضعف في شخصيتك، فالعاقلون سيرونها (شخصيتك) كشبك الغربال، لا يؤتمن فيها زيت أو ماء! وتذكر دائما الحكمة من بيت الشعر هذا: “لسانك لا تذكر به عورة امرئٍ *** فكلك عورات وللناس ألسن”.
واعلم يا من تتفنن في هدم بناء قام بفضل علم وتخطيط، وجبلت لبناته بعرق ودم العاملين في الليل والنهار بصمت، أن نفسك الأمارة بالسوء قد ترضى عنك، إذا ما عم الخراب البناء، لكنك لا تعلم أنك بفعلتك تقتل آمال أبنائك وأحفادك ونسلك من بعدك، فما يبنى ليس لشخص أو نظام، أو حكومة أو وزير، وإنما للوطن، للشعب والأرض حتى يتسنى بسط العدالة والمساواة بين الناس فيه.
لا ينفرن عاقل ومخلص في عمله عن الموضوعية بلسان النقاد الأوفياء، ويراه إثراء للفكرة ونبلها وحسن طرائق إخراجها وتجسيدها للناس، فصواب اللغة ودقة معانيها في النقد البَنّاء تقوي وتشد أركان أي صرح يُرفَعُ للحاضر والمستقبل على أرض الوطن، أما التشكيك والتشاؤم، والاتهام بلا حجة أو بينات، فهذا قصف شيطاني، مدمر، سره أنه لا يترك آثارا كالركام والغبار والدخان، وهذا أخطر بكثير مما تعرفه الشعوب عن ذخائر أسلحة العدو والغزاة!
كيف سنصدق اليوم ردحك، وأنت الذي كنت حتى الأمس مداحا، وما سر هذا الانقلاب، حتى أنك تذم اليوم ما فاخرت به البارحة، وأعليت شأنه بلسانك؟! والشهود عليك قراء صحف، ومستمعون للإذاعات، ومشاهدون للمرئيات، فأنت إن سهوت أو نسيت، فإن ذاكرة الناس الجمعية والفردية أمضى مما في مخيلتك، فاتق يوما قد تردي نفسك في مستنقع طين لزج بلا قاع.