أميرة القمر ، بقلم : سلوى فرح
أميرة القمر
قطفت الشمس قبلتين من شفاه أزهار الليلك والتفاح الندية مودعة قرية “الأمل” المائلة بخصرها النحيل على ضفاف نهر الحلم المتدفق حنينا وعذوبة ليسقي سفوح البنفسج والريحان….
ها قد رحل يوم جديد من العمر، وسكنت هدأة الليل، وغفت كل العيون هانئة إلا عينيّ “نور” أبت النوم.. كانت تقف عند نافذة المنزل تهامس النسيم بحنين ليحملها بعيدا إلى عالم الصفاء، والمحبة، وتنظر من خلاله إلى الأفق البعيد، وترنو إلى السماء بنظرات مستغيثة متضرعة إلى الله كي يساعدها،ويفرّج كربتها، وأصبح السهر صديقها الذي لا يفارقها منذ نعومة أظفارها، تُساهر القمر، والنجوم لتؤنس وحدتها التي تؤرقها دائما، في محاولة منها لإيجاد التفسيرات لتأملاتها الليلية. .
وتسأل نفسها في حيرة.. لماذا تأخر القمر هذا المساء يا إلهي؟؟ وتطلب من الله أن يكلأه من الخسوف والكسوف، وهي تردد: أنا لا أعيش من دونه فهو صديقي الوحيد في هذه الدنيا!!
ما هي إلا لحظات، حتى هَلّ القمر مزهواً بسحر نوره.. ويمشي رهواً.. يشق طريقه وسط الظلام في كبد السماء مبتسما للنجوم أصدقاء الظلمة كأن الله استجاب لتوسلاتها.. فصار الظلام يتقهقر وينحصر خجلاً.. وبدا القمر كأنه يحمل أسراراً، وأخبارا، وبشائر أمل للمعذبين في الأرض، وعلى موعد للقائها..
عندما رآها ترنو إليه بنظرات شوق!! أومأ إليها بإشاراته.. يحاورها.. يخاطبها.. ويسألها عما يقلقها ويقضّ مضجعها؟؟
ما هو سِرك يا أميرتي؟.اسمحي لي أن أناديك “أميرة القمر” لأنك أنثى استثنائية ,بروحك النورانية وقلبك النقي وألمح بريق الوفاء، والسمو في عينيك..
شعرت “نور” في قشعريرة تسري في جسدها ثم أجابت: أيها القمر.. أنت صديقي الوحيد وسط الظلام الذي أبوح له أحزاني، وأسراري!!..
آهٍ يا قمري.. كيف ستغفو عيناي، وأنا أعيش على أرض بعيدة عن روحي ولا أشعر في الحب ؟؟ الوحدة تخنقني، والغربة تذيبني، وأحمل على كاهلي هموماً، وأخبئ بين ضلوعي مشاكل أُسرتي التي تنوء تحتها الجبال، ولا طاقة لي على حملها!..
اشعر بالتناقضات الكثيرة، وظواهر التملّق التي لا حصر لها من حولي، ولا أفهمها، حتى إنها لا تشبه عالمي، ومجبرة على فعل ما لا أريده.. لذا تخامرني الشكوك بأني ضائعة، وأبحث عن ذاتي.. وأريد أن أعرف رسالتي على الأرض..
القمر: يا أميرتي، هل ترين كيف تغشيني الغيوم وتحجبني عن الرؤية؟ حينئذ أُصاب بالغم.. وعندما تنقشع الغيوم عني أفرح، ومع ذلك تراني أطل عليك مبتسما، وأبتهج بلقائي النجوم التي تغمرني بحنانها وتحيطني بنورها، فمنها الجيد ومنها السيئ.. لكني لا أحزن.. أكمل رسالتي الكونية.. وأنا مثلك.. القمر الوحيد في السماء!! نحن الكواكب والنجوم نعيش في السماء مثلكم على الأرض.. نفرح ونحزن.. ومنا الوحيد، ومنا الذي يعيش مع مجموعات..
فخذي مني العبرة والحكمة أُصارع لوحدي في هذا الكون الفسيح، وأنظري كيف تنافسني النجوم والكواكب بجمالها وروعتها!! فتصير السماء مزخرفة.. لوحة سوداء ممزوجة بألوان ذهبية مضيئة.. مثل عقد لؤلؤي يلتف حول جِيدِ فتاة سمراوية حسناء.. ويَستَدل الرَحالة بنا في الظلام ونهديهم إلى سُبلهم في البراري والفيافي، وكذلك أنتم دائما تبحثون في أبراج النجوم لتتعرفوا على مصائركم التي يخفيها المستقبل..
نحن يا أميرتي نتسابق في عشق الظلام كي نُبدد حِلكَته.. وها أنا سعيد والجميع ينتظر بزوغي ليستأنسوا بي.. وأنت أيضاً أنظري من حولك واستمدي الأمل من هذه الطبيعة الساحرة، وأنا كلي ثقة بأنك ستجدين ذاتك يوما ما.. وأن غداً لناظره قريب..
يا أميرتي أنت تبحثين عن النور الذي يشعرك بالسلام.. ولن تجديه إلا فيما تحبه الروح وتهواه، وترتاح له النفس.. ولا تيأسي ها أنا هنا.. صلواتك أحضرتني، وسأكون صديقك الصدوق، وحبيبك الوفي، وسأتوجك أميرة لقلبي ما حييت.. وأعدك من تحت العواصف الهوجاء ستنبت أعشاب الإيمان، والحكمة، والمحبة، والفرح، والخلود الأبدي..
لكن قبل أن أودعك كفكفي دموعك الفضية.. أريد أن أرى ابتسامتك.. انتظريني يوم غد في نفس الموعد سآتيكِ بأجمل القصص، والحكايات، والأخبار الجديدة من العوالم الأخرى سَتُسرين لها.. أما الآن فتصبحين على خير يا “أميرة القمر”..
ثم اختفى القمر في غياهب الغيوم الكثيفة التي حجبته عن الرؤية.. فغاب عن أنظارها على أمل اللقاء في اليوم التالي..
أجهشت”أميرة القمر” بالبكاء لسماعها حديثه الذي لامس قلبها وروحها.. وكأنها لأول مرة تشعر بأنها وجدت من يحبها، ويفهمها..
لوّحت “أميرة القمر ” له بيديها.. وقد وعدته بأن تخبئه في سويداء صدرها حتى لا يرحل عنها طوال الدهر.. ثم عادت إلى مهجعها وهي تشعر بدفء الحب، والسعادة الغامرة.. ثم غفت عيناها بسلام هانئ وردي..
كندا