شفا – مديحة الأعرج، قال المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان أن ما تسمى “الخطة الخمسية لتطوير شرقي القدس للأعوام 2024-2028″، والتي صادقت عليها الحكومة الإسرائيلية الأحد الماضي تهدف لخدمة مساعي التهويد والأسرلة وتعميق الاستيطان في القدس الشرقية.
وصاحب هذه الخطة وزير القدس والتقاليد الإسرائيلي مئير باروش، بقيمة ثلاثة مليارات ومائتي مليون شيقل، فضلا عن ميزانية بقيمة نصف مليار شيقل من أجل مشروع ما يسمى “الحوض المقدس” للتهويد وتعزيز الاستيطان في القدس القديمة.
والخطة الخمسية هذه هي ثمرة عمل استمر عاما ونصف شاركت فيه طواقم في وزارة شؤون القدس وبلدية الاحتلال و”الشركة الحكومية لتطوير القدس الشرقية” و”معهد القدس لدراسة السياسات” اليميني والمتطرف.
وكانت حكومة الاحتلال قد ناقشت تلك الخطة في اجتماعات سابقة وتحديدا في الاجتماع الذي عقدته في أنفاق تحت باحة حائط البراق في أيار الماضي بمناسبة احتلال القدس الشرقية وما يسمى الذكرى الـ 56 لـ”توحيد القدس” واتخذت فيه عددا من القرارات لتمويل مشاريع استيطانية واسعة وجمعيات استيطانية في القدس المحتلة، بينما جرت المصادقة على الخطة الخمسية “في إطار مبدئي” لم يخل من تحفظات كثيرة قدمها كل من وزير المالية ووزير الاستيطان في وزارة الجيش بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي ايتمار بن غفير وغيرهما من وزراء حكومة هي الأكثر تطرفا وعنصرية في تاريخ دولة الاحتلال.
وادعى بوروش ان الخطة ترمي الى تقليص الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين شطري المدينة، ووصفها بأنها تستجيب لنحو عشرين قضيّة تتطلب اهتمامًا عاجلا، خاصّة بكل ما يتعلق بالتعليم والبنى التحتية، زاعما بأن حكومته تستثمر في السكان العرب لأنها أكثر الأشياء إنسانية.
أما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فادعى بأنه لن ينسى القدس العاصمة ولو لدقيقة واحدة، وأكد التزام حكومته بمساعدة جميع سكانها، مشيرًا الى أنَّ المبالغ التي سيتم توظيفها في الخدمات المدنية في شرقيّ المدينة هي الاكبر في التاريخ.
وجاءت الخطة الجديدة لتحل محل خطة خمسية سابقة ينتهي سريانها في نهاية العام الحالي، وتم تقليص ميزانيتها مرتين، من 4 إلى 2.1 مليار شيقل، وكان من ابرز نتائجها تعميق الفوارق بين القدس الشرقية والقدس الغربية بدلا من تقليصها.
وعندما جرى تعميم مسودة الخطة على الوزارات قبل عرضها على الاجتماع الحكومي وتسربت أخبارها، قوبلت باحتجاج عدد من الوزارات التي لم تكن تعلم بوجود الخطة أصلا، وادعت أن الخطة ستؤدي إلى تقليص في ميزانياتها من دون تنسيق مسبق.
وفعلا فإن الخطة سوف تعتمد في تمويلها على مساهمة عدد من الوزارات وعلى مساهمة بلدية الاحتلال بالقدس، بحيث تتوزع بنحو 2.450 مليار شيقل من ميزانيات الوزارات، وحوالي 750 مليون شيقل من بلدية القدس وسلطة الابتكارات وشركة الكهرباء وغيرها.
وذلك يعني بوضوح ان الموازنة المقررة غير ثابتة وتخضع لاعتبارات تخص عمل تلك الوزارات وعمل البلدية، وهو ما جرى فعلا مع الخطة الخمسية السابقة التي انخفض سقفها بمعدل النصف في سياق سنوات العمل بها.
واللافت للانتباه هنا هو مساهمة بلدية الاحتلال على امتداد سنوات الخطة، فقد أقرت بلدية الاحتلال موازنتها السنوية للعام 2023 بقيمة بلغت 8.42 مليار شيقل، وبافتراض أن موازنة البلدية تلك سوف تبقى على حالها للأعوام الخمسة القادمة، وهو افتراض غير منطقي، فإن مجموع تلك الموازنات سوف تتراوح بين 42 مليار و 45 مليار شيقل خصص منها للقدس الشرقية حسب الخطة نحو 750 مليون شيكل بالتشارك مع سلطة الابتكارات وشركة الكهرباء وغيرها، وهو رقم هزيل وسخيف تماما كالرقم الهزيل والسخيف الذي خصت به الخطة قطاع الصحة، ففي الوقت الذي يشكل الفلسطينيون نحو 35% من السكان في المدينة ويدفعون وفقا للمعطيات الرسمية 30% من قيمة الضرائب التي تجبيها بلدية الاحتلال، فإن البلدية لا تنفق على الخدمات التي تقدمها لهم سوى 8% من إجمالي الخدمات التي تقدمها البلدية للجمهور.
وحسب قرار الحكومة، تشمل الخطة الخمسية استثمارات في قطاعات مختلفة منها قطاع التربية والتعليم بقيمة 800 شيقل ووظيفته الابرز اسرلة وتهويد المناهج التعليمية، وقطاع التوظيف في التنمية الاقتصادية بقيمة 506 مليون شيقل لدمج الفلسطينيين في سوق العمل الاسرائيلي، وقطاع البنية التحتية بقيمة 833 مليون شبقل للدمج العمراني بين شطري المدينة بما يعزز الزحف الاستيطاني، وقطاع التخطيط القانوني وتصميم المباني العامة بقيمة 132 مليون شيقل لاستكمال سرقة ونهب الاراضي وتسجيلها كأملاك غائبين او باسماء ملاك يهود وجمعيات استيطانية، وقطاع خدمات المقيمين بقيمة 900 مليون شيقل لتوسيع السيطرة المجتمعية على السكان المقدسيين، هذا الى جانب السيطرة الأمنية من خلال زيادة عدد أفراد الشرطة ومفتشي البلدية وإضافة كاميرات مراقبة وإقامة مراكز أخرى للشرطة في القدس المحتلة.
أما التزام الحكومة الإسرائيلية في هذه الخطة ببناء 2000 شقة للفلسطينيين في القدس المحتلة سنويا، فهو التزام قديم وكاذب بكل المقاييس، خاصة مع الأخذ بعين الاعتبار الخطة الخمسية السابقة وسياسة هدم منازل ومنشآت الفلسطينيين التي لا تتوقف.
ليس هذا فحسب، بل إن ما تسمى خطة تطوير القدس الشرقية أغفلت ما هو أخطر في سياق سياسة التهويد والاسرلة والتهجير الصامت، من خلال التوسع في النشاطات الاستيطانية كخطة موازية، حيث سجل النصف الأول من العام الجاري أرقاما قياسية على مستوى عدد الوحدات الاستيطانية التي تم الترويج لها، في مرحلة هي الأخيرة من عملية المصادقة على بناء مشاريع استيطانية وذلك ببناء 12855 وحدة استيطانية في الضفة الغربية كان نصيب القدس الشرقية منها 7082 وحدة استيطانية جديدة.
وأبعد من ذلك، فقد صادقت الحكومة الإسرائيلية على تخصيص 230 مليون شيقل لاستكمال الطريق الأميركي أو ما يعرف بالطريق الدائري الشرقي في القدس الشرقية المحتلة ضمن مشاريع المواصلات التي شملتها الخطة الخمسية، وحجبت عن الرأي العام أن هذا الطريق يسطو على مئات الدونمات من أراضي العيزرية، والسواحرة، وأبو ديس، والطور، والشيخ سعد، وجبل المكبر، وصور باهر، وهو مصمم لربط المستوطنات الإسرائيلية في جنوب المدينة مع مستوطنة “معاليه أدوميم” شرق القدس ولا علاقة له بتطوير القدس الشرقية او خدمة المواطنين الفلسطينيين في المدينة.
والى جانب ذلك، تم الكشف عن فوز شركة “دونا” الإسرائيلية بمناقصة بناء مشروع استيطاني جديد في مجمع “بينوي” جنوبا مقابل دیر کریمزان بين الولجة وبيت جالا كجزء من مشروع أشمل لتوسيع الاستيطان في جنوب القدس، وقالت الشركة انه سيتم بناء الأبراج من 18 إلى 22 طابقًا اضافة الى مجمع تجاري وخدماتي وملاعب وحدائق.
وقالت مخططة المدن المهندسة اريت جوتنبرج انها تعمل منذ عامين مع مجلس إدارة مستوطنة “رمات شلومو” من اجل تطوير وتوسيع المنطقة الغربية من المستوطنة، وانه تم التوصل الى تفاهم واتفاق مع اللجنة الخاصة بتطوير البناء والاستيطان في اللجنة اللوائية لإضافة نحو 134 وحدة استيطانية في سفوح شعفاط على نحو يتناسب والطبيعة الطبوغرافية للمنطقة المرتفعة على طول الشارع الالتفافي 443 القدس، حيث يجري البناء بشكل مكثف في هذه المستوطنة التي أصبح عدد سكانها يتجاوز 30 ألف مستوطن.
وتسير مخططات التهويد والأسرلة وتعميق الاستيطان في القدس الشرقية جنبا الى جنب مع مخططات استيطانية واسعة وغير مسبوقة في بقية محافظات الضفة الغربية، إذ يرى قادة المستوطنين وخاصة في شمال الضفة في الحكومة الاسرائيلية الحالية فرصتهم الثمينة مدفوعين في ذلك من وزير المالية ووزير الاستيطان في وزارة الجيش بتسلئيل سموتريتش ومجلس المستوطنات (يشع)، فقد انجز قادة المستوطنين في ما يسمى “مجلس مستوطنات السامرة” الذي يقوده يوسي داغان، أحد عتاة المستوطنين الفاشيين والنازيين الجدد، مخططا يقضي برفع عدد المستوطنين في شمال الضفة الغربية من نحو 170 الفا الى نحو مليون مستوطن.
ولهذا الغرض اتفق هؤلاء في مؤتمرهم السنوي قبل نحو عام على بلورة مخطط ينطلق من العودة الى المستوطنات التي أخلاها رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق ارئيل شارون في خطة الانفصال عن قطاع غزة وشمال الضفة الغربية، وتتسع دائرته لتشمل محافظات نابلس، طولكرم، قلقيلية، وسلفيت، باعتبارها مجالا حيويا لتوسع استيطاني غير مسبوق.
واسند المجلس الاقليمي مهمة التخطيط لهذا المشروع لمهندسين ومستشارين مهنيين وذوي اختصاص في هندسة المدن، عملوا على امتداد عام كامل لانجاز المخطط الذي حمله داغان الى رئيس الحكومة الاسرائيلية نتنياهو لاعتماده في مخططات حكومته اليمينية المتطرفة.
ويقوم هذا المخطط على العودة الى مستوطنات “حوميش” و”غانيم” و”صانور” و”كديم” في محافظة جنين، وعلى توسيع مستوطنات “ايتمار” في محافظة نابلس، و”تسوفيم” في محافظة قلقيلية، و”سلعيت” و”افني حيفيتس” في محافظة طولكرم، فضلا عن بناء مستوطنتين جديدتين على غرار “موديعين” في امتداد كفر قاسم نحو سلفيت تحمل الاولى اسم “تعناخ” والثانية “شامير” مع بنى تحتية تشتمل على مد سكك حديد وبناء مطار وتوسيع شوارع لربطها بمدن المركز والوسط في دولة الاحتلال، الى جانب مستشفيات ومراكز طبية وثقافية لخدمة المستوطنات الجديدة.
في الوقت نفسه، يعكف الوزير سموتريتش على اعداد خطة لإضفاء الشرعية على 155 بؤرة استيطانية عشوائية في الضفة الغربية المحتلة مستخدما سيطرته على وزارة المالية والادارة المدنية لتنفيذ خطته، وترسم خطة سموتريتش خرائط لجميع البؤر الاستيطانية الإسرائيلية “غير القانونية” في الضفة لتسهيل إضفاء الشرعية عليها جميعاً في نهاية المطاف.
وقد بدأ سموتريتش خطته بنحو 14 بؤرة استيطانية غير قانونية خمس منها تصنف باعتبارها مستوطنات رعوية وهي في واقع الأمر بؤر تؤوي مستوطنين إرهابيين بالدرجة الأولى، قامت على تهجير عدد من التجمعات البدوية كعين سامية، والقبون، والمرج، والبقعة، وراس التين.
وتركز خطة سموتريتش في الوقت الراهن على البؤر الاستيطانية في شمال الضفة الغربية ووسطها قبل الانتقال إلى مناطق الخليل (مسافر يطا)، والأغوار حيث البادية الفلسطينية، وتتضمن الخطة تخصيص مئات الملايين من الشواقل لتمويل للبؤر الاستيطانية، بالإضافة إلى بناء طرق وصول إليها وربطها بشبكات الكهرباء والمياه.
وتلاقي خطة سموتريتش معارضة من مستويات في جيش الاحتلال وفي جهاز الأمن العام الاسرائيلي (الشاباك) الذي طالب بتشكيل طاقم مشترك للوزارات الحكومية المعنية لفحص القضية وتداعياتها المحتملة.
وبنفس الطريقة التي يتم فيها التحايل بتشريع بؤر استيطانية غير مرخصة حسب قانون الاحتلال، تنوي حكومة الاحتلال الإعلان عن إضفاء الشرعية على مستوطنتين جديدتين في برية القدس، هما “نوفي فرات” و”ألون”، وتخصيص مئات ملايين الشواقل لهما، وتحصل المستوطنتان حاليًا على تمويل من مستوطنة “كفار ادوميم” بحجة أنهما من أحيائها وبالتالي منحها بنية تحتية منفصلة جديدة، إضافة إلى مشاريع خدماتية مثل رياض الأطفال والعيادات والمدارس.
ويدفع الائتلاف الحكومي بقرار يسمح بالاعتراف الفعلي بالمستوطنات التي لا تتمتع بوضع رسمي مستقل، بل وحتى تحويل مباشر للميزانيات إلى هذه المستوطنات، وتمت الموافقة بالفعل على هذا التوجه من قبل وزارة القضاء الاسرائيلية، وسيتم طرحها للمصادقة عليها من قبل حكومة الاحتلال في الأسابيع المقبلة وينص القرار المرتقب على أنه بمقدور مستوطنات “نوفي فرات” و”ألون”، التي تعتبر رسميًا جزءًا من مستوطنة “كفار أدوميم” الحصول على الميزانيات الحكومية بشكل مباشر لأنها تعمل بالفعل كمستوطنات مستقلة، وسبق لحكومة الاحتلال أن شرعت بذات الطريقة البؤرتين الاستيطانيتين “فلاجي مايم” و”يوفال” كأحياء لمستوطنة “عيلي” بين مدينتي نابلس ورام الله.
وفي ضوء القلق الذي ينتاب صفوف المستوطنين ويدفعهم للتظاهر وطلب النجدة والحماية من دولة الاحتلال بعد سلسلة الهجمات التي نفذها مقاومون فلسطينيون في الأسابيع الأخيرة، عقد يواف غالانت وزير جيش الاحتلال لقاء مع رؤساء المجالس الاستيطانية في الضفة الغربية شارك فيه يهودا فوكس قائد المنطقة الوسطى (الضفة الغربية)، بعد عملية تقييم للأوضاع الأمنية أجراها غالانت مع كبار المسؤولين في وزارته وانتقد فيها الهجمات التي يشنها المستوطنون على ضباط الجيش.
وفي ذلك اللقاء، أكد وزير الجيش لقادة المستوطنين “أنه من المحظور مهاجمة الضباط، وإذا وجدت انتقادات فهاجموني”، موضحا “أنا لا أقصدكم بل أعضاء الكنيست الذين يهاجمون الجيش بمن فيهم أعضاء من حزبي (الليكود)”.
وأعرب غالانت في ذلك الاجتماع عن التزام جيش الاحتلال بدعم الاستيطان وتعزيز الأمن وتحسين البنى التحتية وتأمين الحركة على الشوارع والطرق التي يسلكها المستوطنون.
وفي السياق كُشف مؤخرا عن اجتماع سري عُقد في شباط الماضي، بمشاركة ممثلين عن الجيش الاسرائيلي و”الشاباك” و”الموساد” ومجلس الأمن القومي وجهات أخرى، حول الاحتجاجات المعارضة للتعديلات القضائية التي تقودها حكومة الاحتلال ودور المحكمة العليا الاسرائيلية في توفير الغطاء والحماية القانونية للاحتلال والاستيطان وجرائم الحرب بحق الفلسطينيين.
واكد المجتمعون بأن تمرير التعديلات القضائية من شأنه أن يضعف دورها كمحكمة مستقلة وقوية، ونقل عن مسؤول أمني كبير شارك في تلك المداولات قوله إن “المحكمة العليا في إسرائيل تتمتع بمكانة دولية مرموقة، وإذا تم تعيين قضاة موالين للسلطة، فإن مكانتها سوف تتضرر باعتبارها الدرع الواقي، وفي هذه الحالة سيخاطر العاملون في بناء جدار الفصل العنصري وجنود وضباط الجيش العاملين في المناطق المحتلة، باتهامهم بارتكاب جرائم حرب في المحكمة الجنائية الدولية بموجب القانون الدولي”.