قراءة في قصّة لليافعين بعنوان: “الفراشات المُضيئة”، تأليف: نزهة الرّملاوي، دار الهُدى لللطّباعة والنّشركريم – 2003
بقلم: رفيقة عثمان
صدرت قصّة لليافعين بعنوان: “الفراشات المضيئة”، للكاتبة المقدسيّة ، نزهة الرّملاوي؛ رسومات الفنّانة إلهام نزّال، وتدقيق الأستاذ محمّد عويسات. كما ذُكر في مقدّمة القصّة، بأنّها مُستوحاة من الواقع.
تحتوي القصّة على سبع وثلاثين صفحة، من القطع المتوسّط، والغلاف من الكرتون الخفيف والأملس.
تغلّف القصّة صورة لفتاة يافعة، مرتدية ثوبًا مُطرّزًا بالتّطريز الفلّاحي الفلسطيني، واضعة يديها على خصرها، وعيناها المتموّجتان الواسعتان والدامعتان شاخصة إلى الامام؛ ويُطوّق عنقها سلسلة ذهبيّة تحمل فراشة ذات لونٍ ذهبي، وشعرها الأسود مسدول على كتفيها، محاطة بالفراشات المُلوّنة، على خلفيّة بلون أسود.
تمحورت القصّة حول استخدام الفراشات المُضيئة؛ لتطرد الأشخاص الشرّيرين، الّذين يهدفون لتدمير قرية السّعادة، والسّعداء، والبطلة إستبرق كشفت نواياهم أثناء وجودها ليلًا بعيدًا عن بيتها؛ بعد سيرها أثناء النّوم، فأخبرت والديها.
ساهمت إستبرق في تغطية جدران القرية؛ كي يتخلّصوا من الأشرار، وإعادة المُمتلكات والجواهر المسروقة؛ وبالتّعاون بين الأهل وأبناء القرية المُجاورة.
استخدمت الكاتبة لغة فصحى جزلة وألفاظًا قويّة، تخلو من اللّهجة العاميّة؛ لذا فهي تناسب جيل اليافعين وما فوق.
ورد صفحة 10 ” تعاني إستبرق من مرض السِّرنمة ( السّير أثناء النّوم)”
- ) ” Sleepwalking السّرنمة تعني: “هو أحد اضطّراب النّوم، يُمثّل هذا الاضطّراب حالة مختلطة من النّوم واليقظة، حيث يقوم المصاب بالاضطّراب بأداء وظائف أو أعمال عادة تحتاج إلى حالة كاملة من الانتباه واليقظة، مثل الجلوس، التّحدّث أو قيادة السيّارة وغيرها… نادرًا ما يتذكّر المصاب الأحداث الّتي جرت خلال المشي أثناء النّوم، وذلك بسبب تغيّر وعيه إلى حال يصعب معها تذكّر الأحداث”. (ويكبيديا).
اعتمدت الكاتبة في روايتها على شواهد الفتاة إستبرق، بينما في حالة اضطّراب السّرنمة يصعب تذكّر الأحداث بعد اليقظة؛ لذا تكون شهادة الفتاة إستبرق، غير مصدّقة، ومشكوك فيها، كما ادّعى أهالي القرية. بينما ذكرت القصّة بأنّ الفتاة إستبرق استيقظت بعد ارتطامها بحجر؛ ممّا يُبرّر تذكّرها للأحداث والأشخاص الغرباء (الأشباح) بعد يقظتها.
أضافت الكاتبة مصطلحًا طبيًّا؛ للتعريف بمعنى كلمة السّرنمة، وهذا يضيف من مفردات الفتيان وتوعيتهم نحو هذه الظّاهرة.
السّيميائيّة الأدبيّة في القصّة: ” السّيمائيّة لغويّا: السّيماء في معاجم اللّغة: هي العلامة، أو الرّمز الدّال على المقصود، لربط تواصل ما”. التحليل السيمائي للنّصوص الأدبيّة: يقصد بها دراسة النص من جميع جوانبه دراسة سيميائيّة تغوص أعماقه، وتستكشف مدلولاته المحتملة، مع محاولة ربط النّص بالواقع، وما يمكن الاستفادة واخذ العبر.” (أحلى منتدى: موقع إلكتروني).
اخترت أن أبحث في سيميائيّات قصّة “الفراشات المُضيئة”:
استخدمت الكاتبة كلمة الفراشة أو الفراشات؛ للإستدلال بما تعنيها الكلمة. كما ورد صفحة 32
“اقتفيا أثر فراشة إستبرق السّحريّة، حتّى أوصلتهما إلى سجن كبير مظلم”.
إنّ استخدام الكاتبة لمصطلح ” اقتفيا أثر الفراشة” لم يكن عبثيًّا، فهي استخدمته كتناص، لديوان محمود درويش (اقتفاء أثر الفراشة)، “أثر الفراشة لا يُرى – ولا تقل … أثر الفراشة لا يُرى – أثر الفراشة لا يزول” وكأنّ درويش أراد أن يرمز “للتّحريض” بأن أثر درويش باقٍ، وإرثه الشّعري والثّقافي باقٍ، قاصدًا بأن يقول: لا تيأسوا (حسن عبّادي، منبر حر الثّقافة الفكر والأدب، موقع إلكتروني) مقالة حول ترجمة دكتور نبيل طنّوس لاشعار درويش للعبريّة.
انطلاقًا من تأثّر الكاتبة الحسّي بأشعار درويش، وظّفت هذا الرمز السّياسي والأدبي في القصّة. فالفراشة هي دلالة على الحريّة والانطلاق بالفضاء الرّحب للأعلى؛ ورفرفة جناحي الفراشة، يُحدثان أثرًا إيجابيًّا قويًّا في الكون، ويظلّ باقيًا أبديّا، على الرّغم من عدم رؤيته، وصغر حجم الفراشة.
كذلك ظهر تأثّر الكاتبة الرّملاوي، برمزيّة الضّوء، الّتي ذكرها الشّاعر درويش في نفس القصيدة أعلاه “أثر الفراشة كالشّامة تومئ في الضّوء”، يبدو التأثّر واضحًا، عندما استخدمت الكاتبة الفراشات المضيئة، كعنوان للقصّة، وكذلك تكرّر استخدام الفراشات المُضيئة مرارًا وتكرارًا كموتيف في القصّة؛ لأهميّتها في بناء السّرد، وفي نفس الكاتبة.
من الدّلالات الرّمزيّة، نجد بأنّ الفراشة والضّوء، كرمزين للأمل، والحريّة وعدم الاستسلام، والعمل حتّى يتحقّق الهدف؛ ليبقى أثره خالدًا. هكذا انتصرت الفراشات المُضيئة، في القضاء على الأشرار، كما ظهر في نهاية القصّة “باشروا في إلصاق الفراشات المُضيئة على جدران السّجن وبابه الكبير، فأضاءت لهم العتمة، نجح الأهالي في كسر سلاسله وفتح أبوابه الموصدة” صفحة 34. وصفت الكاتبة الفراشات، بقوّات قويّة وسحريّة كما ذكر صفحة 32 ” وطُلب منهم أن يسيروا بين الأشرار ويهمسوا في آذانهمأنّ الفراشات المضيئة الّتي لا يرون ما وراءها، هي أرواح السّعداء، عادت إلى الأرض بعد أن صعدت ‘لى السّماء بعيدًا عن القهر 32 ” ربّما من الممكن أن يكون الاستدلال لهؤلاء الأشخاص هم الشّهداء، والّذين عادوا ليقاوموا الأعداء، بأرواحهم الزّكيّة والقويّة؛ لخلودهم في الذنيا والآخرة.
تبدو دلالة استخدام قرية السّعادة، بفلسطين الوادعة، ويُمثّل الأشرار رمزًا للأعداء المُحتلّين، وهدفهم تدمير وتحطيم الدّولة الوادعة.
تطرّقت الكاتبة الرّملاوي لمصطلحي: النّور والظّلام، هما مصطلحان متجاوران؛ حيث يظهر الأشخاص غرباء الأطوار في الظّلام، بينما يختفون في النّور، كما وضّحت الكاتبة عندما علّقت إستبرق وأخوها الفراشات على الجدران. تمّ الرّبط بين الظّلام والأشخاص الغرباء؛ هذه الدّلائل تشير إلى الخوف والقلق والرّعب، الّذي انتاب اهل القرية، أثناء حضورهم. بينما مصطلح النّور مرتبط بالأمل والفرح، وسكينة الرّوح.
من خلال الرّسومات الّتي صمّمتها الفنّانة، من زي النّساء الفلسطيني المُطرّز صفحة 4، من الممكن الاستدلال على مكان حدوث الأحداث، دون التطرّق للزمن. ( سيميائيّة الصورة).
نجحت الكاتبة في تصوير المشاعر المختلفة: من حزن وقلق وفرح، من خلال الوصف الدّقيق، والتصوير الّذي يعكس الأحداث الدراميّة في القصّة.
اتّشحت القصّة بنفحات دينيّة، والإيمان بالله سبحانه وتعالى، ويبدو ذلك من خلال استخدام الكاتبة بعض الأدعية، والتسابيح المختلفة، كما ورد صفحة 4 ” وراحت الأم تسبّح الله القدّوس.. وتهدّئ من روعهما، ودعتهما إلى التسبيح، والعودة إلى الرّسم ثانية.”. “فرح النّاس بهدايا السّماء”؛ كذلك استخدام اسم (إستبرق) فهو اسم مُقتبس من القرآن الكريم، وله دلالة ايجابية، لقوله تعالى “متّكئين على فُرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنّتين دان” (الرّحمان 54). وردت كلمة إستبرق أربع مرّات في القرآن الكريم؛ معناها: ” الغليظ من الدّيباج، أو الحرير السميك المنسوج بخيوط الذّهب”؛ لا شك بأنّه اسم ذو دلالة جميلة موسومة بالجمال الرّوحي، والطّابع الدّيني.
من الدّلالات أيضًا ذكر السّجن في القصّة، لما تعنيه من قيد حرّيات الأطفال واليافعين؛ والتّعامل معهم بفرض عقوبات جسميّة ونفسيّة عليهم، بما لا يتناسب مع أعمارهم، وأظهرت الكاتبة قدرة الأهالي على تحرير أبنائهم من الأسر بالإرادة والحِكمة والتّعاون. “نجح الأهل في كسر سلاسله وفتح أبوابه الموصدة”. صفحة 34. سيميائيّة التحرّر والأمل نحو مستقبل زاهر للأبناء.
خلاصة القول: قصّة “الفراشات المُضيئة”.
قصّة “الفراشات المُضيئة” تعتبر قصّة رمزيّة مستوحاة من الواقع، منسوجة من وحي خيال الكاتبة؛ فهي تناسب مستوى اليافعين؛ نظرًا لجزالة اللّغة واستخدام المُحسّنات البديعيّة، ومن متطلّبات القصّة فهم المدلولات اللّغوية والفكريّة، وفهم ما وراء السّرد.
هي قصّة ذات عبر إنسانيّة واجتماعيّة وسياسيّة، تساهم في تنمية التّفكير، وتحليل المضامين، والغوص في سيميائيّة السّرد لدى اليافعين؛ وهي قصّة شيّقة، تعبّر عن المشاعر الجيّاشة، والتفكير في التّوصّل لحلول المشاكل الصّعبة.
هذه القصّة حثّت على التّعاون المُشترك؛ للنجاح والانتصار في ضدّ الأعداء، وتحقيق العدالة والسّلام، واسترداد الحقوق المسلوبة والمشروعة للشعوب المظلومة والمُحتلّة. كما ذكر صفحة 34 “تعاون الجميع في إعمار القرية وزراعة أراضيهم من جديد.”.
اشتملت القصّة على كافّة العناصر الأساسيّة للبناء القصصي من: (العاطفة والأسلوب والمعنى والخيال واللّغة).
اقترح توفير قصّة “الفراشات المُلوّنة” في مكتبات المدارس؛ نظرًا للنقص الموجود في قصص اليافعين باللّغة العربيّة.
تمّت بحمد الله