طريق الحرية والتحرر ما بين فلسطين والصين ، بقلم : موفق مطر
تمنيت وما زالت أمنيتي قائمة برؤية الواقع في الصين الذي كنت أتابعه عبر الصور والمواضيع في مجلة الصين التي كلما وصلني عدد بمغلف على عنواني في جامعة دمشق – كلية الفنون الجميلة – ويشاهدني زملائي أتصفحها يبادر بعضهم للقول لي :” يبدو أنك أصبحت شيوعيا يا موفق، فنحن نعرفك منتميا لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، فكان جوابي الدائم “هل تعلمون أن قيادة الحركة وهم في عز شبابهم التقوا بالقيادة الصينية على رأسهم الزعيم ماو تسي تونغ قبل إعلان إطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة في أول كانون الثاني من عام 1965، وقال لهم أنتم إذا نجحتم فإن كفاحكم سيكون ثورة المستحيل” وأعتقد أن الحزب الشيوعي الصيني الذي استطاع تجاوز المستحيلات، ونهض بالصين ووضعها في مسار الدول العظمى النقية من شوائب الإمبريالية الرأسمالية الاستعمارية، فهذا يعني حسب قراءتي أن هذا الحزب كان بمثابة حركة تحرر وطنية بأبعاد عالمية، استطاعت تحرير الشعب الصيني من أمراض ورواسب الإمبريالية الاستعمارية، لمنع استفاقة هذه الحضارة في عالم ثورة التكنولوجيا والاتصال، فتعالوا وانظروا كيف يتم بناء الصين المعاصرة، بالتوازي مع إحياء شواهد الحضارة الصينية، ولا أخفي انذهالي بروعة صور الطبيعة والتي كانت في معظمها حقول ومدرجات جبلية زراعية، وكذلك لقطات رائعة للطبيعة، والأجمل بالنسبة لي كدارس في كلية الفنون الجميلة، صور المنحوتات العاجية الدقيقة جدا، والفنون بأنواعها التشكيلية والتعبيرية، فالصين التي بدأت التعرف عليها قبل حوالي خمسين عاما هي جمهورية الصين الشعبية العظمى اليوم، صديق الشعب الفلسطيني والمساند بلا حدود لحركة تحرره الوطنية، هي الصين الحضارية تاريخيا وحاضرا، والساعية نحو مستقبل آمن ومزدهر ومتقدم للعالم، هي الصين الطاهرة من عقدة إخضاع الدول والشعوب، والسيطرة والاستحواذ والهيمنة على مقدراتها، ونهب ثرواتها، نقية من عقدة التفوق العرقي والغزو والحملات الاستعمارية التي طغت على صور حضارية – لا ينكرها أحد – وأجبرت كثيرا من الشعوب على تصنيف دول أوروبية كبرى وكذلك الولايات المتحدة الأميركية في خانة النقيض لأخلاق وقيم السياسة الحقيقية التي من المفترض أن تكون الناظم الفعلي للعلاقات بين الدول والشعوب .
استدعيت هذه المقدمة لتركيز الضوء على بيان صحفي صدر قبل ثلاثة أيام عن أحزاب وقوى عربية شاركت في الدورة الرابعة لمؤتمر الحوار بين الحزب الشيوعي الصيني وأحزاب عربية على رأسها حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، وقبل الدخول إلى مضمون البيان لا بد من استحضار إشادة رئيس دولة فلسطين وقائد حركة التحرر الوطنية الفلسطينية محمود عباس أبو مازن بهذا الحوار في رسالة تلاها في المؤتمر نيابة عنه عضو اللجنة المركزية لفتح، مفوض الأقاليم الخارجية الدكتور سمير الرفاعي حيث أشاد الرئيس أبو مازن باهتمام الصين والحزب الشيوعي لتوطيد العلاقات الصينية العربية، وتحديدا العلاقات التاريخية الراسخة بين الحزب الشيوعي الصيني وحركة فتح وبين فلسطين والصين المتسمة بنمو وتطور تُوج بإعلان علاقات الشراكة الاستراتيجية، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية واحترام القرار الوطني الفلسطيني المستقل، أما مبادرات التنمية ومبادرة الأمن، ومبادرة الحضارة العالمية، من أجل بناء المستقبل المشترك للبشرية ، وكذلك مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس شي جينبينغ والتي تحظى باحترام معظم دول العالم كما قال الرئيس ، فإنها ” تمهد لإقامة مستقبل متعدد الأقطاب لهذا العالم، الذي يحتاج إلى كل أصحاب النوايا الطيبة لفائدة البشرية جمعاء مثل الصين”.
ثقة الرئيس أبو مازن بقدرات جمهورية الصين كدولة عظمى وبالحزب الشيوعي مبعثها شجاعة القيادة الصينية، وقدرة الصين ومعها الكثير من دول العالم على رفض الهيمنة وازدواجية المعايير، وإخلاصها في التعامل مع الحق الفلسطيني (القضية الفلسطينية) استناداً على القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، بما يحفظ للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، في الحرية والاستقلال والعيش بكرامة على تراب أرضه الفلسطينية، بدولة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية.
البيان الصحفي لمؤتمر الحوار حفل ليس بانعكاس الثوابت السياسية الفلسطينية في نصوص فقراته وحسب، بل بصيغة المصطلحات الواردة فيه، ما يعني تماثل الرؤية لدى الأحزاب العربية المشاركة والفلسطينية على رأسها حركة فتح مع رؤية الحزب الشيوعي الصيني، الذي بقي على مبادئه وقيمه في التعامل مع الحق الفلسطيني، رغم تطور وتوسع ونمو مصالح الصين كدولة في العالم، فالبيان وصف العدوان الصهيونيٍ على الشعب الفلسطيني بـ”الهمجيٍ الإجرامي” في إشارة صريحة لجريمة الحرب الإسرائيلية في مدينة جنين ومخيمها، وتحويل الضفة الفلسطينية المحتلة إلى كانتونات وعزلها بالاستيطان، وتهويد مدينة القدس واقتحام الأماكن المقدسة فيها، حتى قرارات وسياسة حكومة منظومة الاحتلال والاستيطان الصهيوني العنصرية بحق المواطنين الفلسطينيين في مناطق الـ48، وكذلك معاناة اللاجئين الفلسطينيين، وحصار قطاع غزة، والتنكيل بالأسرى وقمعهم وإهمالهم طبيا، وقبل أن يؤكد بيان الأحزاب العربية والشيوعي الصيني ثقته بقدرة الشعب الفلسطيني على التصدي للعدوان الصهيوني وحقه في ذلك، اعتبر مؤتمر الحوار ما يفعله الاحتلال الصهيوني “جرائم حرب يندى لها جبين البشرية ” و”همجية لم يشهد العالم مثلها من قبل”.
يدرك الأصدقاء الصينيون الأوفياء مكانة القرار الفلسطيني الوطني المستقل، وأن منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني هي الضامن لهذه الاستقلالية، لذلك دعت الأحزاب المشاركة في المؤتمر للحفاظ عليها وعلى حق الشعب الفلسطيني في المقاومة بأشكالها المشروعة للدفاع عن أرضه ووجوده، وحقه في تقرير مصيره وقيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس، وحق عودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها وفقاً للقرار الأممي 194، وحرية الأسرى وحماية المقدسات وإيقاف الاستيطان وسياسة التطهير العرقي في القدس عاصمة فلسطين المحتلة، ورفض التطبيع مع منظومة الاحتلال، ومناهضتها في جميع البلدان العربية، ونزع الشرعية عنها في المحافل الدولية.
نلاحظ وهنا المقصود أن جوهر السياسة القائمة على المبادئ لا يتغير، فالبيان ما زال يذكرنا بلغة المواقف في السبعينيات، ما يعني أن صلاحية المنهج النضالي الكفاحي الجامع لمسيرة الأحرار في العالم تحددها إرادة المناضلين، ونعتقد أن مؤتمر الحوار هذا يدفعنا لنظم برنامج عمل سياسي جماهيري لاستعادة روح النضال لانتزاع الحرية والاستقلال وضبط منهج التحرر، ما دامت الصين العظمى الضامن الإنساني الأقوى في العالم.