الصراع يدخل منعطفا حادا ، بقلم : اللواء سمير عباهره
منذ عودة نتنياهو الى سدة الحكم وتشكيله للحكومة الاكثر تطرفا في تاريخ اسرائيل عكف على تصعيد مبرمج للصراع مع الفلسطينيين بشكل غير مسبوق الامر الذي طرح تساؤلات عديدة حول دوافع وأسباب هذا التصعيد في هذه المرحلة وهل هو نتاج اجندة سياسية ام امنية ام ان هناك اجندة اخرى تلقي بظلالها في المشهد السياسي الاسرائيلي. نتنياهو الذي غادر المشهد السياسي كرئيس للوزراء بعد خسارته الانتخابات البرلمانية لصالح المعارضة التي تمكنت من تشكيل حكومة بعيدة عن اليمين الاسرائيلي ثم عاد مرة اخرى ونجح في تشكيل حكومته الحالية ولسان حاله يقول لا عودة الى الوراء وان الشعب الفلسطيني ودماءه ستكون الباروميتر في استمرار حكمه وإبعاد المعارضة عن العودة الى الحكم حيث تحولت المناطق الفلسطينية الى ساحة صراع جديدة اخذت ابعادا امنية وسياسية وأيديولوجية وساحة لتصفية حسابات وتوجهات فكرية وإستراتيجية بين الاحزاب الاسرائيلية وخاصة بعد الشرخ الذي حصل داخل المجتمع الاسرائيلي والاحتجاجات المتواصلة التي تقودها المعارضة لإسقاط حكومة اليمين فوجد نتنياهو نفسه بين فكي كماشة ورأى ان الخروج من هذا المأزق هو في استمرار سياسة القتل والاعتقال والحصار للشعب الفلسطيني وفي استمرار الانتهاكات والاعتداءات المتواصلة لاستمرار تمكين حكمه.
وهكذا تبين ان الهجمة الاسرائيلية هي نتاج عمل مبرمج ومخطط وتأتي في سياق الوضع الاسرائيلي الراهن والذي تتقاطع عنده فضاءات يتشابك فيها الايديولوجي والسياسي معا بحيث تمكن اليمين الاسرائيلي في البحث عن مكاسب جديدة وتسجيل نقاط لصالحه في ظل التدهور الحاصل في العلاقات الدولية والإقليمية نتيجة المتغيرات التي طرأت على المعادلة الدولية واختلال التوازنات الدولية نتيجة الحرب الدائرة في اوروبا الشرقية ومعطياتها في طبيعة التحالفات والتكتلات التي افرزتها الحرب والاهم من ذلك هو في ابتعاد الصراع الفلسطيني الاسرائيلي عن دائرة الاهتمام الدولي فوجد نتنياهو الفرصة مواتية لإحداث اختراق في اهم عناصر الصراع والمتعلق بملف التسوية والذي بات في طي النسيان دوليا وباتت اسرائيل تعتبره من مخلفات الماضي فكان ان استمر بحملاته القمعية بحق الشعب الفلسطيني وهكذا فان التصعيد الذي تقوده اسرائيل منذ فترة في الاراضي الفلسطينية يأتي في اطار تلك المعطيات وفي هذا السياق لكن الاحداث التي شهدتها الاراضي الفلسطينية خلال الايام القليلة الماضية قلبت كل الموازين وعملت على خلط الاوراق على طاولة الصراع حيث انها اضافت بعدا جديدا تمثل في سهولة اختراق منظومة الامن الاسرائيلي بعد عملية (ايلي) وفتحت الابواب امام احتمالية استمرار التصادم بحكم ان هذه العملية شكلت هزيمة لاسرائيل اذا ما اضيف الى ذلك خسارة اسرائيل لهيبتها العسكرية خلال اجتياح مخيم جنين اول امس بعد تكتم اسرائيل على خسائرها المادية والمعنوية وفي هذا السياق اشارت صحيفة;يديعوت أحرونوت; إلى قلق المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وأجهزة الأمن من استهداف قوات الاحتلال في جنين بهذه الكمية من العبوات الناسفة، وقالت إن الجيش يتحقق إذا ما كانت قواته تعرضت لـ ;كمين عبوات ناسفة;، وذكرت أن المسلحين الفلسطينيين عرفوا ;طريق خروج القوات من جنين أو قدروا ذلك وزرعوا عبوات كبيرة تمكنت من إصابة آليات مصفحة;.
اسرائيل ستلجأ الى محاولة التعويض عن فشلها في تحقيق اهدافها في استمرار اقتحام المدن والمخيمات الفلسطينية لكن على اسرائيل ان تدرك ان ذلك سيولد انفجارا شاملا لدى الشعب الفلسطيني ويحدث نقطة تحول جوهرية على كافة عناصر الصراع.
كل تلك المعطيات ابقت المجتمع الدولي في حالة انحياز تام لإسرائيل وإبداء التعاطف معها في حين وقف متفرجا على جرائمها دون ادانة فهذه التطورات المتسارعة تفرض عليهم التحرك السريع والعاجل لوضع حد للغطرسة الاسرائيلية بعد كل هذه التحولات الدراماتيكية التي طرأت على معادلة الصراع وتذكيرهم بأنهم هم من اطلقوا عملية التسوية واستجاب الجانب الفلسطيني للمطالب الدولية وكان الهدف هو ضمان امن اسرائيل مقابل حصول الفلسطينيين على حقوقهم في اقامة دولتهم وبات المطلوب ان يتحمل المجتمع الدولي مسئولية تاريخية وان يقف على حقيقة ما يجري في ساحة الصراع فالوضع يزداد تعقيدا ويتطلب تحركا دوليا واسعا وضغطا عربيا وإسلاميا على المجتمع الدولي لكبح جماح اسرائيل وطرح تساؤلات تشكل احراجا في مضمونها للأسرة الدولية فالى متى ستبقى اسرائيل تقوم بخرق القانون الدولي وخرق قرارات الشرعية الدولية بل يجب توجيه اللوم الى القوى الداعمة للسياسة الاسرائيلية وتذكيرها بان مواقفها هذه تضعها في خانة الاتهام فلا يمكن ان تكتفي تلك القوى بإطلاق الشعارات والمطالبة بتحقيق السلام بل انه آن الاوان ان تخرج الاسرة الدولية عن صمتها وتفضح الممارسات الاسرائيلية وتطالبها بتبني المعايير الدولية في الالتزام بما يقره المجتمع الدولي والشرعية الدولية والا فان هذه الشرعية ستوضع على المحك ويجري تشريحها.
نتنياهو بات امام خيارين اما العودة الى طاولة المفاوضات والإقرار بحقوق الشعب الفلسطيني وحقهفي اقامة دولته المستقلة وإما تحمل نتائج سياسته التي ستفضي الى تصعيد غير محمود العواقب لان الشعب الفلسطيني لن يقف موقف المتفرج ازاء ما يجري.