تلفزيون فلسطين.. فوز مستحق للفكرة الإنسانية والمهنية الوطنية ، بقلم : موفق مطر
أعلن قبل ثلاثة أيام في تونس عن فوز تلفزيون فلسطين بالجائزة الأولى عن صنف التقرير الإخباري، فيلم “سامي” بالجائزة الثانية في صنف البرامج والأفلام الوثائقية الخاصة بالقضية الفلسطينية في مسابقات اتحاد إذاعات الدول العربية، وجاء الإعلان في نهاية مهرجان الدورة الـثالثة والعشرين للاتحاد بالعاصمة التونسية، تونس.
ليست المرة الأولى، فلتلفزيون فلسطين سوابق في حصد جوائز أولى وأخرى ما بين الثانية والثالثة في مسابقات عربية ودولية، وهذا ما يجب اعتباره نموذجا للعمل الإعلامي – الثقافي بوجهيه المهني والوطني، وأعتقد جازما أن الأمر لا يتعلق بالإمكانيات المادية المتاحة، وإنما بقدر الحب والإيمان بالفكرة التي يقدمها الإعلامي الفلسطيني بتقريره أو يود إيصالها عبر حلقة ما في برنامجه التلفزيوني، فحسن صياغة الجملة في التعليق، ومنح كل كلمة الصورة وخلفية موسيقى متصلة موضوعيا، وتتويج الفكرة بسيناريو وإخراج مهني، تسهل عملية وصول الرسالة الإعلامية ليس لطرق أبواب وجدان المتلقي، بل الدخول تلقائيا والسكن والتفاعل في ثنايا دماغه، فتؤثر إيجابا على مشاعره وعواطفه وقناعاته التي ننتظرها واقعا ماديا في مواقفه النابعة من ضميره، وهذه هي الديمومة التي نريدها، خلاف تلك الانفعالية الآنية .
لقد أتيحت لي فرصة الاطلاع على تقارير إخبارية مشاركة في المسابقة، وتمعنت جيدا في برامج أنتجتها تلفزيونات عربية رسمية منها العريقة، ومنها التابعة لدول عربية غنية جدا، لا يجوز مقارنتها مع إمكانيات الإعلام الرسمي الفلسطيني عموما وتلفزيون فلسطين خصوصا، لكن الحق يقال إن فوز التقرير الإخباري لتلفزيون فلسطين في المسابقة الرئيسة حول الأسير المحرر القائد كريم يونس كان مستحقا بجدارة وامتياز، فالتقرير طرح الحرية، ونقيضها الأسر كموضوع إنساني خالٍ من الشعارات التعبوية السياسية، والتضخيم في اللغة، وأعتقد أن الفكرة المطروحة قد خاطبت وجدان كل عضو في لجان التحكيم، ليس لأن مصدرها فلسطين وحسب، بل لسيادة المهنية الإنسانية على مفاصل العمل (التقرير الإخباري) ولأن قضية الحرية ليست فلسطينية حصرا وإنما الشغل الشاغل لكل إنسان على وجه الكرة الأرضية، وأعتقد جازما أن التقييم كان صائبا، والتقدير ممتازا لتوفر مقومات النجاح المميز في التقرير. وكذلك الفيلم الوثائقي(سامي) وموضوعه الأسير سامي أبو دياك، الذي استشهد في معتقلات الاحتلال الإسرائيلي لينال الجائزة الثانية في صنف البرامج والأفلام الوثائقية الخاصة بالقضية الفلسطينية..علما أن التقرير الإخباري كان ضمن صنف التقارير الإخبارية التلفزيونية عموما .
لا توجد لدينا أرقام، ولكننا نعتقد – حسب مشاهداتنا وما نلمسه على أرض الواقع أن المصروف على اللافتات والرايات والبيارق وتكاليف تسيير مظاهرات أغلبها ذات طابع دعائي وادعائي سياسي، وفعاليات متواضعة الحضور وحتى التنظيم، وكذلك الأموال الموظفة لتلميع أشخاص، وأثمان وجبات غداء في الفنادق تحت بنود ورشات عمل وندوات ومهرجانات لا تسمن ولا تغني من جوع، نعتقد بأنه لو وظف عشر المبالغ المهدورة سنويا من الجميع بدون استثناء – مؤسسات رسمية حكومية أو غير حكومية أو أهلية خاصة أو فصائلية لصالح أعمال إعلامية – ثقافية، وللتوضيح أكثر، أفلام وأعمال سينمائية وشرائط وثائقية، وكذلك إنتاج أعمال تلفزيونية باللغة العربية، وشقيقاتها الأجنبية الأكثر تداولا تحت عنوان واحد الانتصار للحق الفلسطيني لكان رصيدنا من الرأي العام العربي والعالمي المساند والمؤيد والمتضامن أضعاف رصيدنا الحالي الذي ينضب في ظل قوة تركيز إعلام ودعاية منظومة الاحتلال الاستعمارية العنصرية أولا، وتشتت وتشرذم وتبعثر الجهود الفلسطينية عموما – هذا إذا فترضنا أن حسن نقاء الأفكار والقضايا المطروحة – رغم أن الواقع يؤشر بالاتجاه المعاكس، حيث نجد لغة التخوين والتشكيك بقيادات الحركة الوطنية الفلسطينية ومنهجها السياسي حتى في (تقارير وبرامج تلفزيونية) مرفوعة من قبل تلفزيونات تابعة لفصائل فلسطينية للمشاركة في مسابقات على مستوى الدول العربية .
آن الأوان للبناء على هذه النجاحات للإعلام الرسمي الفلسطيني، وتجميع الخبرات وتعزيزها بكفاءات ذات أرضية علمية معرفية، وصاحبة رؤى ثاقبة في المجال، ونعتقد أن الاخلاص في العطاء يتطلب الحد الأدنى من نكران الذات من أجل قضية الحق الفلسطيني، فالإعلامي الفلسطيني المثقف قادر على اختراق جدران منظومة الاحتلال الصهيوني وتحرير ضمائر مئات الملايين في العالم طوقتهم وأسرتهم الدعاية الصهيونية، وحشدتهم في موقع الضد من حقنا التاريخي والطبيعي، ونعتقد أن عرض القضية والفكرة يتطلب عقلا مميزا بالنجاح، رغم قناعتنا أن الإعلام صناعة والصناعة تتطلب مالا، لكننا في تلفزيون فلسطين استطعنا إثبات قدرة العقلية المهنية الإنسانية الوطنية على تخطي عقبة المال لإيصال روايتنا ورسالتنا الفلسطينية إلى سدة النجاح والفوز أيضا .