التقاء (فلسطين والصين) على منهج التحرر وبناء الدولة ، بقلم : موفق مطر
اليوم يبدأ الرئيس محمود عباس زيارة دولة رسمية تستمر ثلاثة أيام إلى الصين، تلبية لدعوة من الرئيس الصيني شي جي بينغ علما أنها الزيارة الخامسة للرئيس محمود عباس لبكين منذ عام 2005، وتكتسب الزيارة أهمية خاصة ومتميزة ليس لطبيعة العلاقات الفلسطينية الصينية التاريخية الوثيقة والمتنامية وحسب، بل لمكانة جمهورية الصين الشعبية المتعاظمة لدى شعوب ودول الإقليم وكذلك في العالم، ولما تجسده سياسة القيادة الصينية من احترام متبادل للدول ومصالحها وقيمها وسيادتها، وخلوها من النزعة الاستعمارية الإمبريالية، التي تميزت بها علاقة دول استعمارية كبرى أوروبية وكذلك الولايات المتحدة الأميركية، وما تسببت به سياسة الاستغلال والإخضاع والاحتواء والسيطرة على مصادر الثروات، من إفقار للحكومات والشعوب، وتقسيمات وصراعات طائفية ومذهبية وانقسامات اجتماعية، فجمهورية الصين معنية بتحرر الشعوب ليس من هيمنة الدول الاستعمارية وحسب، بل بتحرر ثقافي يؤدي في النهاية إلى انفتاح أوسع وأعمق ولقاء ما بين حضارات شعوب العالم تحت مظلة السلام واحترام سيادة الدول وإرادة شعوبها وقراراتها الوطنية المستقلة، ونعتقد أن فكرة اللقاء الحضاري هي عقدة نقص الدولة الإمبريالية الاستعمارية الأولى في العالم (الولايات المتحدة الأميركية) التي اعتبرت الصين العدو الاستراتيجي رقم واحد، فالصين تمتلك مقومات الدولة العظمى الاقتصادية والعسكرية والنظام السياسي المستقر والنمو المتعاظم، والأهم المقومات الحضارية التي تمكنها من توسيع آفاق علاقاتها مع دول العالم باعتبارها المعدن الأنقى والأصلب لاستدامة علاقات تكاد تنعدم فيها المصالح المادية، على عكس علاقات الدول الاستعمارية المعنية بسياساتها تدمير البنية الحضارية للشعوب لتسهيل عملية احتوائها وإخضاعها .
تتفق رؤية الصين مع فلسطين حول مركزية الحق الفلسطيني عربيا وإقليميا وعالميا، فالرئيس شي جين بينغ يعتبر فلسطين قضية العرب الأولى كما قال عباس زكي (أبو مشعل) في حديثه لوكالة وفا، وأن الأمن والاستقرار والسلام في الشرق الأوسط يتطلب حلا عادلا يرضاه الشعب الفلسطيني ارتكازا على قرارات الشرعية الدولية، المؤكدة حق الشعب الفلسطيني بقيام دولة مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية على أرض وطنه التاريخي فلسطين، وهذا يشكل جوهر مبادرتي الرئيسين: محمود عباس وشي جينغ بينغ .
حققت الصين نجاحات في الشرق الأوسط، وزادت وزن حضورها السياسي والاقتصادي، واستطاعت إنجاز اختراقات هامة في جدار الهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط، حتى إن دولا عربية كبرى بدأت تعمل على تعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع بكين، بعد سقوط نظرية الحليف الاستراتيجي التي كانت تروجها الولايات المتحدة في العالم، وأحدثها شواهد الانسحاب المخزية من أفغانستان، وقدرة دول الخليج العربي بما فيها إيران على تجاوز الرغبة الأميركية، واستعادة العلاقات برعاية دبلوماسية صينية رصينة وذكية .
نعتقد إلى حد اليقين أن جمهورية الصين ستشكل رافعة لفلسطين لتحقيق هدف نيل العضوية الكاملة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ذلك أن الدولة العظمى التي اعترفت بمنظمة التحرير اعترافا كاملا ستكون فاعلة في تحقيق هذا الإنجاز الفلسطيني، خدمة للسلام والأمن والاستقرار في الإقليم والعالم أيضا، وكذلك دعم فلسطين للانضمام لمنظمة شنغهاي للتعاون، أما وأن فلسطين في مرحلة بناء مؤسسات دولة، ويكافح شعبها ويناضل في إطار حركة تحرر وطنية، ويستخدم أسلوب مقاومة شعبية تتطلب مقومات صمود ونمو في آن واحد، فإن الصين التي قدمت السلاح للثورة الفلسطينية، فإنها اليوم على استعداد لزيادة معدل تقديم ما يلزم لدولة فلسطين في مجالات الطاقة والصحة والتعليم وتأهيل الكوادر، فنحن بحاجة إلى دولة عظمى تقف إلى جانبنا من أجل انتزاع حريتنا واستقلالنا، وتؤيد حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة .
قال هاني الحسن عضو سابق في اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح – رحمه الله :” أذكر أنه في عام 1964، قبل انطلاقة الثورة خلال زيارة إلى الصين مع القائد الشهيد الرمز أبو جهاد، التقينا بالرئيس ماو تسي تونغ وكان الصينيون يومها يعتبرون من عمره 50 عاماً شابا، بعد حديث طويل حول الدعم واستعداد الصين للتدريب وإرسال السلاح، وعندما توجهنا إلى باب الخروج من الاجتماع، أصابت الرئيس ماو تسي تونغ لحظة صدق ذاتي وقال :” اسمعوا أيها الشباب ..لقد درست قضيتكم فوجدت العوامل المحلية والدولية تتداخل فيها كتداخل أسنان القرش، وما إن تنطلقوا بالثورة حتى تجدوا أنفسكم وسط غابة أعداء، فأنتم في بؤرة تقاطع حساسة جداً لمصالح دولية وإقليمية كبرى، وإذا تمكنتم من تفجير الثورة والاستمرار فيها، فآمل أن أكون على قيد الحياة لأكتب عنها ” .لافتا إلى أن ماوتسي تونغ قد ألف 4 كتب عن حرب التحرير الشعبية .. ويمكننا فهم العلاقة التاريخية المميزة والخاصة جدا ما بين فلسطين والصين عندما نقرأ ما أكده عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عباس زكي في حديث لوكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) عشية زيارة رئيس دولة فلسطين وقائد حركة التحرر الوطنية الفلسطينية محمود عباس أبو مازن إلى بكين إذ قال :” إن فتح هي حركة التحرر الوحيدة في العالم التي تربطها مع الصين مذكرة تعاون مشترك “… إذن هي علاقة بين فلسطين العظيمة بتاريخها وإرثها الحضاري، بشعبها وثورتها (ثورة المستحيل) وحركة تحررها الوطنية، مع الصين الحضارة والقوة والدولة الكبرى العظمى، والتاريخ العظيم، والوفاء الأعظم لقيم ومبادئ التحرر ..فجمهورية الصين الشعبية كانت أول دولة في العالم غير عربية اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية اعترافا كاملا بعد تأسيسها في عام 1964 عندما التقى زعيم الصين ماوتسي تونغ برئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة أحمد الشقيري في 17-3- 1965 والوفد المرافق، كان من نتائجها افتتاح مكتب للمنظمة في بكين في شهر مايو – أيار من نفس العام في بكين، رأسه السفير (رشيد سعيد جربوع) أما البيان الختامي للزيارة فقد نص على :” يكرر الجانب الصيني، بأن شعب الصين يؤيد بحزم الشعب العربي الفلسطيني في كفاحه العادل ضد إسرائيل، وإدارة الولايات المتحدة الأميركية العدوانية، كما يؤيد مطلبه بالعودة إلى وطنه واستعادة حقوقه كاملة في فلسطين “..فهذه هي جمهورية الصين التي يحترمها شعب فلسطين.