احذروا وسواس كهنة معابد الأصنام البشرية ، بقلم : موفق مطر
لا وطن لنا إلا فلسطين، المقدسة روح إنسانها، وجبال ورمال وسهول ووديان أرضها، وكل بيت بناه فلسطيني منذ فجر التاريخ على أرضها، وكل بيت ما كان وارتفعت أركانه وقبابه وأبراجه ومآذنه إلا لعبادة الله، فالانتماء الوطني (الوطنية) كالإيمان الروحي، عقيدة خالصة طاهرة نقية لا تقبل التحريف البشري، ولا يستقيم التعظيم والتقديس إلا إذا كان للوطن وكل ما عليه وفيه وله من حق أزلي، فهذا منهج، حسمته معادلات الرياضيات ونظريات الفيزياء وعلوم الطبيعة، فالإنسان زائد الوطن يساوي الوجود زائد الحرية.
تعلمنا المعادلة هذه أن الإيمان بالوطن يمنعنا من الخضوع والاستسلام لإغواء شياطين إنس يعملون لسلخ القداسة عن الوطن، وتفصيلها على مقاساتهم، لإيهام العامة – المأخوذة عقولهم بأساطير سوقية مزيفة – أن روح الوطن تكمن فيهم، وأنه باق ما دام سلطانهم قائم، على ركيزة الشرعية السماوية !! وأن ظلمهم وظلاميتهم، وشرهم وشرور أعمالهم الحارقة، وتأصيل العداء بين الإخوة في عائلة الوطن حتى سفك الدماء جهاد!!.
الوطنية كماء فرات نقي وعذب، تلوثها الأنا البشرية حتى مهما كانت صغيرة، فهذه الأنا كالبكتيريا السامة، تفرز فيروسات تصيب من يقربها بداء تقديس المال والتسلط والانصياع الأعمى – كفرد في قطيع – لما يسمى أسلاف ومشايخ استخدموا الدين، ويستخدم المروجون (لمخدراتهم) النفسية العاطفية والانفعالية البدنية الدين لأغراض دنيوية، اشتغلوا سالفا، ويشتغلون الآن بما منحوا من قوة ومال ونفوذ خارق يحققونه بتدليس شهادات النجاح، لإبهار بسطاء سطا مستخدمو الدين على عقول أجدادهم قبل قرون، وأورثوهم الجهل حتى باتوا اليوم بلا معرفة، والأفظع أنهم يناهضون قدرات التفكر والبحث والاستنتاج عند كل عاقل في مجتمعاتهم!!.
لا يحتمل الانتماء للوطن الإشراك به، كالانتماء لعصبة فئوية، أو عصبية جهوية، أو جماعات مستترة بشعارات دينية، فهذا شرك بالوطن، وهي جميعها عند الله كافرة بروح شريعة المحبة والإخاء الإنساني والحق والحرية والعدل والسلام الإلهية، شريعة لا تتحقق، ولا يرتفع صرحها إلا في وطن يراه ويحسبه أهله جنة من جنان الله المقدسة.. لغتهم فيما بينهم سلام، وعملهم من أجل السلام، ونفوسهم تنعم بسلام عقولهم الحرة المتحررة من الأوهام.
شريكة في المؤامرة على الوطن بقصد أو عن جهل، كل جماعة أو فئة تعلي مصالحها وبيرقها، فوق مصالح الوطن وعلمه، وكذلك كل كيان سياسي لا تهدي طرائق نظرياته وسبل أعماله الفرد والجموع وتفتح البصائر، وتعمق الرؤية الدقيقة المبسطة لعرش الوطن، فليس للحرية والتحرر والعدل في الوطن مقاسات خاصة، حتى لو كانت ألوانها ونماذجها بلا حدود .
لا يستقيم الإيمان بالوطن مع الاعتكاف تحت أقدام أصنام الحزبية الفئوية أو الطائفية أو الجهوية والعشائرية، والأخطر عليه لا يأتينا مع الغزاة ومنهم، وإنما ممن ادعوا لأنفسهم القداسة، وحللوا كل ما يفعلون حتى لو كان سفك دماء مواطني الوطن، فتمزيق شعب ما وتقسيمه نجح فيه الغزاة إلى حد ما لاستعجالهم انهياره، لكن (كهنة معابد الأصنام) إياها، كانوا وما زالوا الأخطر على ديمومة الوطن ووجوده، فهؤلاء يستنزفون دماء العقول والإرادات الوطنية ببطء..فاحذروهم، فإنهم كالوسواس الخناس.