«جميلٌ أن ترى في عينيّ غيرك ما لا تستطيع أن تراه في عينيك، لكنَّ الأجمل من ذلك، أن ترى في عينيّ مَن تحب
نفسك أجمل ممَّا تبدو عليها»
مَن أنا؟
امرأة أم اثنتان وربما أكثر
أنا لست واحدة فقط
ولا وحيدة قط
هناك من يُكمِّل نصفي عن بُعد
أقصد رغم أنف المسافات الشاسعة
وجغرافية الأمكنة الشاهقة التي فصلت جسدين
لكنَّها لم تقوَ على التفريق بين روحيهما
***
شريك الفكر والإحساس، واكتمالي أنت
كلَّما أقف أمام المرآة أرتعد شوقاً إليك
وكم أتمنى الجلوس في جوارك
رغم إقامتي جارة لروحك منذ زمن
لكنَّني أطمع في الخلود
***
فيك وجدت ضالتي
واقتربت الرُّوح من الجسد
كانت كلاهما متباعدتين وبعيدتين
ملامحي الحيَّة والميِّتة التي زُرعت نائية عنك
وتلك اللوحة المنعكسة من وإلى داخلي
تهزُّ كياني كلما قرَّرت مواجهة المرآة
أقلِّب أوراق الفراغ في عمري
ودفتر أيامي الذي ملأته الأقلام والأحلام
كتابات في الحبِّ والحزن
تاريخ عنوانه الحرمان والإيمان
وفصول الإنتظار
«كم كان الصَّبر جميلاً في حكايتنا»
اليوم أحتفي بوجوه عديدة أفتقدها
تجول ذاكرة الظلال ولا تفارقني
وأختبئ من أشباح لصور عديدة أمقتها
تطل راكضة في سهول الفكر
تطارد غزالة أحلامي الحرَّة
وتعبث بأريكة حروفي المتحركة
حتى أستأنف الكتابة في مضاجع الورق
ليحكي القلم قصة سعيدة
***
أن تموت وتحيا وأنت في عداد الأحياء هذا فخر
كنت دائماً أقول: لابدَّ أن يموت أحدهم
حتماً سندرك النهاية يوماً ما
لا بقاء لقوَّتين متضادتين في الهدف والرؤيا
مهما اشتدَّ وطيس الصِّراع
كأن تخوض حرباً يعني هناك مآلان
أن تربح أو تكون الخاسر
وكيف لهما الاثنان داخل جسدي؟
***
مرآتي لطالما أحببت حملها معي أينما ذهبت
أحياناً، لأمارس طقوس أنثويَّتي والتباهي
ولأكون الحكيمة الرَّواية، الأنثى الأب والأم والأطفال
كعشاق يجولون الزَّمان وقصص كبيرة تختزل الأيام
وشعراء يسبقون بعضهم في صياغة الكلام
قد أغفل أحياناً عنها لكنَّني أذكرها بتفانٍ
لأنَّ في المرآة نجاتي
وجلد الذَّات فضيلة تُصلح حياتي
فما من محاسب إلا وأتمَّ المسألة رابحاً
وكم من تاجر ولَّى خاسراً بلا حساب
***
أن نكتشف بأننا غير موجودين لنوجد
هذا سخاء عظيم
أمام مرآتي
أبدِّل ارتداء أقنعة الزِّيف الملَّونة
وأتقمَّص جميع الوجوه
أضحك متى شئت وأبكي لو رغبت
أشعر بأنَّني إمرأة حرَّة
أفقد ملامحي وأتفقَّد بقعة الضُّوء التي بداخلي
لم تنطفئ رغم عصف ريح الأيام بنا
ولم تكن أكثر من بقايا شمعة حالمة مؤمنة وهائمة
تُركت بلا ظل ومازال كلانا يبحث عنها في ظلمة الرُّوح
لم نزل كما كنَّا منذ بدايتنا
نخشى الظلام، وللحزن نعزف سيمفونية الشَّوق
مضطربة الأنغام تلاحقنا فيها علامات الاستفهام
ونشعر بالخوف وبالرَّهبة كلما هبَّت مواسم الفراق
نحن نكره الوحدة
عندما تفارق أصابعنا أكفَّنا
وألواننا ترحل عن أجسادنا
كم نخشى انتهاء تمرُّدها
حين تتركنا الأشياء من حولنا
وتعصف اللَّحظة بنا عاتية تنثر أجزاء حكايتنا
لتبقى ساعة الموت تنتظر أمر الملك
حينها، يتشبَّث الحزن بحنجرة صراخنا المكبوت
الذي لطالما دفنَّاه داخل المرآة
بأعماق الأرض تقاسيمٌ تشكلُّنا
***
يسافر الوقت إلى أقاصي تجَّذر الريبة
يستوحش المُنتظر منَّا وقتاً لم يصل
ويعترض العقل على إقتصاديات العمر
يتمرَّد الفكر ارتفاع الثَّمن وأمانينا منذ الأزل
غالية كما نحن على بعضنا
نرحل لنعود بحثاً عن كلينا
وينام كل حديث بعد عزوفنا عن المرآة
في غيبوبة الحياة دون ملامح واضحة
ومرآة عمياء لا تكشف لنا عن هويَّة الواقع
***
كلُّهن يقفن على المرآة للتَّماري
وأنا التي ما أحببت رؤية الذَّات المتواري
فكم جسد وجسد أخفى وراء جماله العواري
والقسمات نعمٌ من الله تزول ممَّن لا تُبالي
سبعة وعشرون شمعة أطفأتها الزَّفرات الخوالي
حتى جاءني الملك بهديَّة
مرآة الرُّوح
التقيت بنفسي بل فيك أنت
غيث انهمر على جسدي وبلَّل عقلي
روى روحي وأنمى الجمال على دروب نفسي روابياً زاهيةً
منقوش عليها بضع كلمات
لا أحد يفهمها سوانا
كل شيء في المرآة مباح
ومرآة الروح، لا أحد يقيم فيها غيرك
أنت الذي لا يتركني ولا يبتعد
ولم تهدِّدني بالغربة يوماً
ما بدَّلتك الأيَّام والأحلام
تبدو قصة حقيقيَّة، أبديَّة
متوَّجة بالخلود في عمري
أنت تحوي أسرار النَّفس
وأماني الغَّد بحوزتك أخلِّيها
لتكتب على جدران مُدني الورقيَّة
أعظم حكاية إنسانيَّة
وعباءة لحروف مخمليَّة
سترت بها قلبي منذ عرفتك
أيُّها القرَّاء والكُّتاب: أنا لا أشيع لكم قصَّة خياليَّة
لكنَّني سعيدة بكنز عثرت عليه صدفة
بل، قدر تحقق في ميقاته، لحكمة إلهيَّة
مرآتي التي اعتدت أن أرى نفسي من خلالها
صارت شخصاً يراني من خلال مرآته لنفسه
رأينا من خلالها الطفولة لكلينا
أبي وأمي ولحظات ضعفنا وقوتنا
مرآة الرُّوح
بداية بلا نهاية قلمي يسطرها.
***
من مذَّكرات أبو حنين وأم حنين
الرابع عشر من شهر الفرح، عام التَّغيير 2012
رشا السرميطي