هل تشهد قمة جدة استفاقة عربية ، بقلم : اللواء سمير عباهره
تشهد مدينة جده السعودية انطلاق القمة العربية الثانية والثلاثون وذلك يوم الجمعة التاسع عشر من ايار وربما تكون من اكثر القمم العربية اهمية ان لم تكن اهمها وذلك منذ انطلاق القمة العربية الاولى في الاسكندرية عام 1946 ويأتي انعقادها في ظروف معقدة محليا ودوليا بعد سلسلة جذرية ومتسارعة من التحولات والتغيرات الدولية والإقليمية وما طرأ عليها من تغيرات في مفاصل السياسة الدولية وعلى المعادلة الدولية وعلى صيغة التحالفات والتكتلات التي يشهدها العالم مرورا بمرحلة اشبه ان تكون بمرحلة فراغ سياسي بعد تراجع مكانة القطب الواحد وبداية الحديث عن سعي بعض الدول النافذة في السياسة الدولية عزمها على تشكيل نظام متعدد الاقطاب حتى لا يقع التفرد في السياسة الدولية تحت دولة بعينها.
تحديات كثيرة تواجه الامة العربية ومن المفترض العمل على تجاوزها والخروج منها بحيث تشكل بداية استفاقة عربية قادرة على تذليل كافة الصعاب التي تقف امام المشروع العربي ومواجهة هذه التحديات بمختلف جوانبها فالظروف الدولية باتت مهيأة تماما لإعادة الاعتبار للشخصية العربية واستنهاض كافة الطاقات لهذا الغرض وإبراز الكيان العربي كقوة قادمة في المعادلة الدولية الجديدة وبالشروط التي تمكن العرب في الحفاظ على الاستقلال وامتلاك خاصية القرار المؤثر في السياسة الدولية وتحت قاعدة الند بالند حتى تتمكن من الانخراط في المعادلة الدولية بحيث يكون لها موطأ قدم في أي تحالفات قادمة وتكمن هذه التحديات فيما يلي.
- التحديات الداخلية وتكمن هذه التحديات فيما اصاب النظام العربي من شلل تام على كافة الاصعدة والصراعات التي اصطبغت بها بعض الاقطار العربية والأطماع الخارجية التي فرضت نفسها في معادلة هذه الدول مما تسبب في احداث دمار شامل على هيكلية هذه الدول ونظامها السياسي والأمني والاقتصادي وباتت فاقدة لسيادتها واستغلال ثرواتها وسرقتها وتمثل ذلك في كل من العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن وأخيرا السودان وقد شكل ذلك ضربة قوية لعمق الامن القومي العربي وبات المطلوب استنهاض كافة الطاقات العربية للخروج من هذا المأزق وإعادة الامور الى نصابها الطبيعي. وكانت عودة سوريا الى الحاضنة العربية واعتزام مشاركتها في قمة جده بداية الخروج من المأزق الذي فرض نفسه على الاجندة العربية طوال عقود من الزمن ويفترض أن تسهم هذه المصالحة في تقوية الموقف العربي تجاه أمريكا والغرب وإسرائيل وحل الصراعات الجارية مباشرة وبالنيابة في سوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان والتحول من صراع مدمر متعدد الأوجه إلى تعاون مثمر للمنطقة العربية ونتمنى ان يكون هناك انفراج لكل الازمات التي ضربت الوطن العربي والخروج بتفاهمات مشتركة تركز على اهميته.
- التحديات الاقليمية ويتمثل احد هذه التحديات في ايران لكن التقارب السعودي الايراني شكل نقطة تحول في المنطقة في بناء علاقات على ارضية جديدة ترتكز على الانطلاق نحو استفاقة عربية للخروج من حالة الجمود والترهل التي سيطرت على النظام السياسي العربي خلال عقود مضت من الزمن وفي خضم التوترات والتصعيد القائم على الساحة الدولية وبروز التكتلات والتحالفات الجديدة على الصعيد الدولي والإقليمي لكن هذا التقارب قطع الطريق على اسرائيل وأوقف المخططات الاسرائيلية والتي كانت دوافعها استمرار التوتر قائما بين دول الخليج وإيران اما التحدي الاقليمي الاخر الذي يواجه الامة العربية فهو سد النهضة الذي تم انشاءه بهدف استهداف مصر وأمنها القومي بل والعربي بحكم ان السودان ايضا بات متضررا حيث عملت بعض القوى الدولية على رفع وتيرة الخلاف بين مصر وإثيوبيا وعملت على تغذية الصراع بينهما لجر الطرفين الى مواجهة عسكرية من اجل استنزاف قدرات مصر وهذا يتطلب تحركا عاجلا لفرض موقفا عربيا لمواجهة هذه الاخطار.
- التحديات الدولية وتعتبر من اهم التحديات التي تواجه الامة العربية بحكم انها حالت دون تطور الوطن العربي ودون احداث تكامل سياسي واقتصادي وبقاءه ممزقا غير قادر على القيام بمسئولياته القومية تجاه أي قطر عربي مما تسبب في استنزاف قدراته الاقتصادية والفكرية والثقافية وباتت الفرصة مواتية جدا للتحرر من تبعية هذه الدول وفرض معادلة عربية جديدة في السياسة الدولية من خلال التكتلات والأحلاف الجديدة وبشخصية عربية مستقلة. ان انشغال الولايات المتحدة وحلفاءها في اوروبا الغربية وقوى اقليمية تابعة لها في تصعيد الصراع في اوروبا الشرقية الذي بات صراعا مدمرا وينذر بحرب عالمية ثالثة كل ذلك اتاح الى جوانب عوامل اخرى صعود قوى كبرى كالصين وروسيا والهند وجنوب افريقيا والبرازيل وان كان ذلك بنسب متفاوتة بحيث اصبحت روسيا والصين قوتين عظميين صاعدتين فيما أمست القوى المتورطة بانتهاك المنطقة العربية ومحيطها وفي توريط قوى محلية وإقليمية في حالة هبوط وهنا باتت كل الفرص مواتية للعرب اللحاق بركب التحالفات الاخرى حيث بتنا نشهد بداية تحولات كبيرة وأخذت اطرافا كانت محسوبة تاريخيا على الولايات المتحدة والغرب في اعادة حساباتها وإعادة النظر في خياراتها.
- الصراع الفلسطيني الاسرائيلي والذي يعتبر اهم التحديات التي واجهت الامة العربية على مر التاريخ بعد ان تراجع الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية وتحديدا بعد التطبيع الاسرائيلي مع بعض الدول العربية حيث كانت اسرائيل تهدف الى تقطيع الاوصال العربية وشحن الاجواء العربية مع ايران لكن التقارب السعودي الايراني قطع الطريق على اسرائيل وأوقف المخططات الاسرائيلية والتي كانت دوافعها استمرار التوتر قائما بين دول الخليج وإيران وهنا يجب الحذر وان ندرك ان تل ابيب قد تعمد وهي تدرك ان ما حققته من اختراق للخليج بمواجهة ايران بات مهددا بالتراجع وان مناطق الصراع المشغلة للمنطقة تتجه للحل والهدوء وهذا لا يخدم مصالح اسرائيل وباستكمال المصالحة السعودية الايرانية ينكفئ الدور الاسرائيلي الضارب في الاقليم لان ذلك يعتبر تهديدا لمصالح اسرائيل الاستراتيجية.
ان فقدان العرب للورقة الفلسطينية تسبب بانتكاسة عربية بقيت اثارها ماثلة حتى يومنا هذا لأنها كانت تشكل مصدر قوة لآي نظام عربي ومن هنا من المفترض ان تعود الفلسطينية الى عمقها القومي وتبقى ورقة قوة بيد العرب وسلاحا مسلطا لاستعادة كافة الحقوق العربية.
العرب امام مفترق طرق وبات المطلوب الخروج بقرارات استراتيجية وتاريخية تعيد للأمة العربية اهميتها ودورها في المعادلة الدولية فمقومات وحدة القرار السياسي تكمن في تراكم القوة والنفوذ التي تعطي العرب خاصية امتلاك القرار المؤثر في السياسة الدولية.