من هنا وهناك
بدأت قصَّتي والنِّهاية منسيَّة
لست سوى إنسانة أحتفظ بمبدأ وقضيَّة
وطني مازال أسيراً خلف قضبان القوميَّة
عربية كنتُ، وبلا هوية.
* * * * * * *
كبرتُ فجأة قبل الأوان
طفلة ذكيَّة لم يُمهلني الزَّمان
وعلى منوال الصِّغار تأمَّلت السِّنين
واطلَّعت على حكاية المكان
قرأت رواية جدي؛ فلسطين
حول مفتاح العودة وأقفال مُحكمة التمكين
حتَّى دُرس قمح أحلام العجين
والخبز صار به السُّوس
تالفاً أكلناه مع القنابل
بعدما أُحرقت مروج السنابل
وعلى رائحة شواء الجثث كان عشاؤنا
كثُر القتلى والجرحى هناك
فاضت ينابيع الدِّماء
وانهمر الدَّمع غزيراً
فأخذت أركض باحثةً عن نفسي
خلف إشارات الاستفهام النَّازفة
حتَّى اختلطتْ ألوان الطَّيف حولي
فلم أعرف أيَّ وجهة أسلكها
انطفأت قناديل الطُّرق
واشتعل الجرح الدَّامل
علت أصوات المتأوِّهين
واشتَّد أنين العارفين
أولئك الذين شهدوا ميلاد تاريخنا الأوَّل
عمَّ الصَّمت، بل اختار رجال الأرض السُّكوت
وإذا بصوت هزيل يخرج من غمس الخوف
حرَّك السُّكون بخوار قائل: ممنوع التجَّول !
* * * * * * *
الأرض تهوَّدت والاستيطان جائر
والعرب تحوَّلت لسكان حظائر
والقدس تحاصرت بجدارٍ عنصريٍّ فاصل
وهناك، على أعلى قمم الورق يقف قلمي حائراً
يحمل بين صفحات أوراقه القرآن ثائراً
يبكي أهل النَّار
وما من كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها الملك
لكنَّ العقول حوت سوء بدائل
فلسطينيَّة وما بعد أعوام استيقظتُ صبيَّة
لكن، بلا بطاقة شخصيَّة
مرَّت مواسم عمري بلا مواقيت ربيعيَّة
وكأنَّ الصَّيف تسلِّط على أغصان حكاياتنا
جففَّ عروق الأمل
وأُجهِضت الآمال متراميةً على ربوعنا
في مواسم فصولنا العربية
والكل يردِّد نشيد الحرية !
ظلَّ الشِّتاء حاسماً في انتحابه ولم يتوقف
حتى قُسمت لنا نهايات خريفيَّة
* * * * * * *
غادرتُ سرير الصَّمت
وتجوَّلت في شوارع مدينتنا
ذهبت إلى القرية حيث امتدت مخيمات اللاَّجئين
فإذا بالأشلاء وشلالات المتحسِّرين
هناك.. وجدت قلمي تائهاً منكسراً
ما بين أرواح مؤمنة وظلال استنكرت القادمين
وطني .. يا حريَّة سوف تعود
أيا مجد الأسر كسِّر قيدك
إلأَم وجعَك وقاتل
مَن هؤلاء المحتلُّون؟
أعاجم يلبسون القبعات !
وعلى بيوتنا يرفعون أعلاماً صهيونية
* * * * * * *
أيا تاريخ الصُّمود قاوم
إسرائيل كابوس لن يطول
وتدفَّق يا حبَّ الوطن في أوردتي
اروِ ظمأ الشَّوق لثرى أرضي
واسقِني حنين الرُّجوع
بلا هوية جنسيَّتي كانت فلسطينية
والعمر لم يزل مسرعاً
يسبقني ويتهرَّب من حروفي القتالية
وأنا لازلت الذَّاكرة على أرض النِّسيان
صنوبرة شاهدة على الكيان
أنا الصُّورة بعدسة إعلامنا الخوَّان
وأنا البطولة القلمية على ورق قد هان
وأنا التي وُلدت في القدس دُرَّة المدن الفلسطينيَّة
وانتمائي لمدينة الصلاة حقيقة أزليَّة
أقمت في جبال النَّار ونابلس عزٌّ وحُسن اختيار
وأيُّ فرق قد يمسُّني وكل مدن فلسطين؛ بلادي.
بلادي، بلادي، بلادي يا أرض العهود
أجدادي، أجدادي يا نكبة ونكسة قسماً لن تعود
نحن جيل الانتفاضة
نحن شعب يمتلك الإرادة
للصهيونيَّة حتماً مصير الإبادة
والجهاد على أرض أوطاننا إنَّه لهوَ العبادة
حتما لنا فوق أرض الرِّباط السيَّادة
مهما طال الزَّمان وبدَّل التاريخ أسياده
شهدائي.. شهدائي
أيا أبطالاً صعدت أرواحهم إلى السَّماء
صرتم في ذمة الله مستبسلين قوافلَ شهداء
نحن أيضاً مثلكم للحق ناصرون
مهما ذلَّ الكُّتاب في وطني السَّجين
والخلقُ ضلَّ سبيله بعيداً عن الدِّين
إلى السَّماء عابرون
وعلى سطور حرة إليكم قادمون
شهداء في سبيل الله ماضون
* * * * * * *
وانتهت المدَّة المقرَّرة
واستبدلتْ الأرض سكانها وملاكها الأصليين
فمضينا أنا وجسدي بروح ذات القضيَّة
امتطيت صهوة الصَّبر بفروسية انتظاري
وسئمت علقم القهر من طول المعاناة
وما بعد فصل حزين
أبى موسم الفرح إلاّ أن يأتي
بُتر الوجع بألم أكبر
حين توجَّهت لوزارة الدَّاخليَّة الإسرائيليَّة
فإذا هم يقولون لي ملف قضيَّتك قيد البحث
على رفوف منسيَّة
لا هُويَّة الآن !
انصرفي أو نعطيك مؤقتاً وثيقة عبور اسرائيلية
لكن عليك دفع مبالغ إضافية
ضحكت وبكيت في آن واحد
ثم انصرفت خائبة أجرُّ أذيال خذلان العرب
ورجعت إلى دفتري أعتصر الحبر لأكتبه
حروف مقتولة ذات شواهد
على أسطر عاجزة ضمَّت كلماتي الميِّتة
في مقبرة من الكلام الذي لم يبلغ وصف واقعنا
أنا لا أريد بطاقة زرقاء ولا خضراء
وقضيَّتي ليست لونيَّة
سلوا التاريخ عنِّي
أنا امرأة كنعانيَّة
فلسطينيَّة حرَّة وأبيَّة
وأقيم هناك.. في القدس
حيث يموت الفلسطيني حيَّاً