شفا – تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون شن حربهم الضروس على المياه في قرية “عين البيضا” في الأغوار الفلسطينية الشمالية، ليقع الفلسطيني الأعزل من كل شيء سوى حقه الأزلي في هذه الأرض، فريسة هذه الحرب.
وتتخذ حرب الاحتلال والمستوطنين على مصادر المياه في عين البيضا والأغوار الشمالية شكلا متصاعدا منذ سنوات، ضمن محاولات الاحتلال تهجير السكان من أراضيهم، من خلال حرمانهم من مصادر مياههم.
وتبلغ مساحة قرية عين البيضا الإجمالية أكثر من 81 ألف دونم، منها 11 ألف دونم أراضٍ زراعية، و668 دونمًا عبارة عن المخطط الهيكلي للقرية، ويبلغ عدد سكانها قرابة 1300 نسمة حسب تقديرات جهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
وباتت خمسة عيون مياه جديدة في أراضي عين البيضا تحت سيطرة المستوطنين، في ظل صمت رسمي وشعبي، ودون حتى أي تحرك قانوني وهو أضعف الإيمان كما يصف أصحاب الينابيع وناشطون في الأغوار.
تخريب وسيطرة
حرب المياه في قرية عين البيضا لم يكن آخرها أعمال حفر وترميم في محيط نبع مياه “عين بليبل” و”عين قرعان” وغيرها من العيون في القرية، تمهيدا للاستيلاء الكامل عليها، كما أوضح المزارع محمود فقها.
ويعتمد “فقها” على تلك العيون في ري أراضيه هو وباقي المزارعين في تلك المنطقة المزروعة بشتى أنواع الشجر والمحاصيل والبالغة آلاف الدونمات، ما يعني أن سرقة هذه الينابيع وبسط السيطرة عليها التأثير على القطاع الزراعي في القرية بشكل كبير.
ويوضح “فقها” في حديثه، أن المستوطنين شرعوا في الآونة الأخيرة بتحطيم مواتير ضخ المياه وتخريبها وتحطيم ألواح الطاقة الشمسية المغذية للمواتير، وتقطيع برابش المزارع وتخريب المزروعات، وكل ذلك إلى جانب عمل جلسات واستراحات خاصة بهم في محيط عدد من العيون ومنع المواطن الفلسطيني من الاقتراب منها.
ويضيف: “هذه الينابيع أغلبها موجود منذ قبل وجود الاحتلال، ويستخدمها المواطن في سقيا مزروعاته، ومنها ما هو مسجل ومرخص من قبل السلطة الفلسطينية، وقبلها سجلتها السلطات الأردنية قبل الاحتلال الإسرائيلي عام 1967”.
ومع احتلال قرية “عين البيضا”، حاولت سلطات الاحتلال السيطرة على “عين قرعان” أحد عيون القرية، مقابل الحصول على فتحة من شركة “ماكروت” الإسرائيلية؛ لتزويد المزارعين بالمياه، إلا أن الرفض كان سيد الموقف، وفق “فقها”.
نهج استيطاني متكرر
من جهته، يقول الحقوقي والناشط ضد الاستيطان في الأغوار عارف دراغمة، إن المستوطنين يواصلون منذ قرابة الشهر أعمال ترميم في محيط “عين بليبل” التابعة لخربة الدير إلى الشرق من قرية عين البيضا، ضمن سياق السيطرة على هذه العين.
ويردف في حديثه، “المستوطنون انتهجوا هذا الأسلوب خلال السنوات الأخيرة؛ للاستيلاء على ينابيع المياه في مناطق الأغوار، حيث يعملون على الترميم والبناء في محيطها، ولاحقا يتم الاستيلاء عليها بشكل كامل ومنع المواطنين من استخدامها”.
ويؤكد “دراغمة” أن هناك سياسة واضحة لدى المستوطنين وبدعم الإدارة المدنية وجيش الاحتلال من أجل ملاحقة الفلسطيني في كل شيء، وسرقة مصادر المياه في المنطقة كما حدث خلال العامين الماضيين في عين الحلوة وعين خلة خضر والساكوت وغيرها.
حرب على المياه
وتزامنت عمليات التجريف مع تخريب مجرى المياه الذي يصب في منابع المياه المجاورة، ما يؤكد وجود مخطط في محاربة الفلسطيني في المياه في قرية عين البيضا، وفق الناشط الحقوقي فارس فقها.
ويلفت فقها في حديثه، إلى أن في القرية نحو 15 عينًا، لكن سياسة الاحتلال أدت إلى جفافها، ضمن سياسة قديمة جديدة لبسط السيطرة على الإسرائيلية على الأرض.
وتصنف قرية عين البيضا أراضي “ب” داخل الحدود العمرانية، أما الأراضي من الخارج فتخضع للتصنيف “ج” أي تحت سيطرة الاحتلال الأمنية والإدارية حسب اتفاق “أوسلو”، بحسب”فقها”.
ويشير ضيفنا إلى عدم قدرة الفلسطيني على استغلال أرضه، وعدم الحرية في التنقل والوصول للأراضي المصنفة “ج”، والتضييق عليهم من استغلاها وإصلاحها، لذلك كانت عمليات ترميم الينابيع تواجه بالرفض الإسرائيلي.
وفي السابق، كانت قرية عين البيضا تعيش اكتفاءً ذاتيًّا من المياه، لكن الاحتلال أجبر الأهالي على إيقاف استخراج المياه من الأرض والينابيع، مقابل الحصول على حصة من شركة “ميكروت” الإسرائيلية، بكميات محدودة؛ ليبقى مسيطرًا على الواقع الزراعي في المنطقة، حسب قوله.
ويتابع: “الاحتلال لجأ لحفر بئر عميق في أراضي قرية بردلة المجاورة لقرية عين البيضا، ما أدى لاستنزاف آبار وعيون القرية وتجفيفها وتدني منسوب المياه فيها بشكل كبير، فيما يحاول الفلسطينيون إعادة تأهيل وترميم الينابيع والعمل فيها لتوفير كميات محدودة من المياه، إلا أن كل ذلك يواجه بالمنع الإسرائيلي”.
ويصف “فقها” ما يجري في الأغوار الشمالية بـ “الخطير جدا”، مستطردًا: “إن تمكن المستوطنين من السيطرة بشكل كامل ومنع المزارعين من زراعة تلك الأراضي، فإن ذلك قد يؤدي لتحول مئات الدونمات لأراضي بور وغير مستغلة، ويسيطر عليها المستوطنون بشكل كامل، وبالتالي عشرات العائلات سوف تفقد أرضها و مصدر دخلها الوحيد”.
حرب المياه في الضفة الغربية :
ورغم “أن الأغوار الشمالية تقع ضمن الحوض المائي الشرقي الأكبر في فلسطين، إلا أن إسرائيل تسيطر على 85% من مياهها، فيما يتحكم الفلسطينيون بـ 15% المتبقية، فيما تشير الأرقام إلى أن معدل استهلاك المستوطن القاطن في الأغوار الشمالية يبلغ 8 أضعاف ما يستهلكه المواطن الفلسطيني”.
من ناحيته، يشير رئيس سلطة المياه مازن غنيم إلى أن الاحتلال الإسرائيلي استهدف منذ البداية المناطق الغنية بالمياه، فسيطر على حوالي 95% من المياه التي تتواجد في الحوض الجوفي الغربي وما يزيد على 70% من الحوض الشرقي، وغيرها.
ويوضح “غنيم” أن الخسائر المائية تأتي نتيجة سيطرة وضم الاحتلال لبعض من الينابيع الرئيسية مثل: القلط، والفارة، العوجا، وفصايل، والساكوت، وعيون المالح، والحلوة الفوقا والتحتا، ما يشكل خسارة تقدر بنحو 10 إلى 15 مليون م3 سنويا.
تصريحات غنيم جاءت خلال محاضرة في هيئة التدريب العسكري لقوى الأمن بمدينة أريحا، يوم الثلاثاء الماضي، تحت عنوان “نحو قطاع مائي مستدام لحاضر ومستقبل دولتنا”.
وتطرق غنيم إلى التحديات التي يواجهها قطاع المياه وتنعكس سلبا على تحقيق الأمن المائي وعلى رأسها التحدي السياسي والمتمثل بسيطرة الاحتلال على مصادر المياه، والتوسع الاستيطاني.
إلى جانب عرقلة “إسرائيل” للمشاريع في المناطق “ج”، التي تشكل أكثر من 64% من الأراضي الفلسطينية، تبعًا لقوله.