شفا – طالب مركز “بيسان للبحوث والإنماء”، بإعادة النظر في العديد من المسائل المتعلقة بمشروع المنطقة الصناعية الزراعية في أريحا، وذلك في عدد من الدراسات التي صدرت عنه، حديثا، في إطار عنايته بتناول ودراسة القضايا الاقتصادية والتنموية بعمق، وربطها بالجوانب المعيشية، والاجتماعية، والسياسية على حد سواء.
وقدم المركز في ورقة موقف بعنوان “المنطقة الصناعية الزراعي في أريحا: ممر سلام أم إدامة احتلال؟”، خلفية عن تبلور فكرة المناطق الصناعية، وصولا إلى إعلان مبادرة لإنشاء المنطقة الصناعية الزراعية في أريحا العام 2005، بالتعاون مع الوكالة اليابانية للتنمية “جايكا”، التي أعلنت استعدادها لتوفير التمويل اللازم.
وحسب المركز، فإن “المشروع بدأ كمشروع فلسطيني –أردني بتمويل ياباني، ثم تطور لاحقا ليضاف إليه شريك رابع هو دولة الاحتلال، وليتحول إلى مشروع ممر السلام، الذي يشمل كل الأغوار الفلسطينية، إضافة إلى استثمارات أخرى في قطاع السياحة، والبنية التحتية وغير ذلك”.
وأضاف: هدف اليابان واضح من تمويل هذه المنطقة الصناعية الزراعية، فهي استثمار آخر باسم التنمية في العملية السياسية السلمية، ضمن إطار ورؤية اتفاقية اوسلو، إضافة لكونه مشروعاً اقتصادياً يهدف لتحقيق هدف سياسي.
واستدرك: إن أي مشروع يتجنب عنونة الاحتلال وانهاءه بشكل واضح ومباشر، يخشى أن يساهم في شرعنة الاحتلال وإدامته، وهنا تكمن خطورة النهج السائد المتبع، وليست المنطقة الصناعية الزراعية فقط بحد ذاتها، فالمنطقة الصناعية الزراعية هي نتاج لنموذج معين تعززه وتستفيد منه لكنها لا تستطيع ولا بأي شكل من الأشكال عكس حالة اللا تنمية، أو إجراء تغييرات حقيقية بنيوية في الاقتصاد الفلسطيني.
ورأى أن الحاجة الأولى والملّحة من أجل ضمان نجاح المشروع، هي ضرورة جسر فجوة الشرعية والثقة بين السلطة الفلسطينية وسياساتها، وبين المواطنين العاديين، هذه الفجوة التي اتسعت كثيراً وصار لزاماً جسرها، أو تغيير اللاعبين الرئيسيين أو قواعد اللعبة، (…) عبر الاتفاق على نهج نضالي وطني، لا يزاحم على الكراسي والمناصب والسلطة، وانما يزاحم على استرجاع الوطن والتحرر.
وأردف: أصبح لزاماً علينا، نحن الفلسطينيين، أكثر من أي وقت مضى، ضرورة الاتفاق وطنياً على دور “اسرائيل” في مشاريع كهذه؛ وبالتالي آن الأوان لتفكيك شبكة الأعمال والعلاقات المعقدة المشتركة والاتفاق وطنياً وفق برنامج تنموي تشاركي تجادلي على الدور الذي نريده لإسرائيل.
وأضاف: إن من أخطر ما في المشروع هو تغليبه للغة الفنية، والتقنية، والهندسية، والتكنوقراطية وحسابات الربح والخسارة المجردة، والقابلية الاقتصادية على حساب أمور أخرى، ربما هي الأساس كالبعد السياسي للمشروع، وإطار الاقتصاد السياسي الذي يدور في فلكه.
واعتبر أن “المشروع يشكل نموذجا آخر لنهج الدوران حول المشكلة، وعدم عنونة جذورها؛ بمعنى أن المشروع لم يُبنى بهدف مجابهة وتحدي الاحتلال والاشتباك معه، وانما من أجل فرض سلامٍ اقتصادي ما بين المستعِمر والمستعمَر”.
ورأى أن “نهج المناطق الصناعية المشتركة من أجل التصدير ليس بالنهج والأسلوب الجديد؛ فقد تبنته السلطة منذ نشأتها كجزء أصيل من ضمن اشتراطات السياسات النيوليبرالية، ومتطلبات السوق الحر، وتوصيات المانحين، وتماشياً مع وجود المناطق الصناعية الاقليمية المشتركة”.
وأضاف: غياب الملكية الفلسطينية لمنطقة أريحا الصناعية الزراعية بعدة أوجه سواء الشكلي –أو الجوهري، فعلى الصعيد الشكلي يبدو أن المشروع يتكلم الانجليزية واليابانية فقط وليس العربية، فلا توجد أية دراسات جدوى أو تقارير أو وثائق استراتيجية مهمة باللغة العربية؛ فكلها بالانجليزية.
ولفت إلى الموقف الفلسطيني الرسمي المؤيد للمشروع، وعبرت عنه العديد من الأوساط، خاصة من الهيئة العامة للمدن الصناعية والمناطق الصناعية الحرة، التي اعتبرت أن المنطقة الصناعية تهدف إلى تغيير سياسة الأمر الواقع، وتعزيز فلسفة الصمود، وأنها تقوم على فلسفة بسيطة، تكمن في جلب استثمارات خارجية للتصنيع ثم التصدير، وبالتالي خلق فرص عمل محلية، سيكون لها دور رئيسي في تحسين الناتج المحلي الإجمالي.
وبين أن المرتكزات التي يقوم عليها الموقف الفلسطيني الرسمي، بحاجة إلى مراجعة، خاصة في ظل الافتقار إلى السيادة، والهيمنة الإسرائيلية على شتى مناحي الحياة في الأراضي الفلسطينية، وهو ما يهدد بوقف المشروع في أية لحظة، ارتباطا بمصالح دولة الاحتلال السياسية والاقتصادية، إلى غير ذلك.
وأضاف: من الواضح أن السلطة، والممول الياباني لم يكونا موفقين في اختيار موقع المنطقة الصناعية.
ودلل على ما ذهب إليه بالإشارة إلى أنه “حسب الممول الياباني، فإن منطقة المشروع التي تشمل محافظتي أريحا وطوباس، تحتوي 53,160 دونماً زراعياً مروياً، مِمَّا مجمله 101,620 دونماً زراعياً مروياً، أي 52% من المساحات المروية في الضفة الغربية، لكن حسب الإحصاء الفلسطيني 2007/2008 ، تبلغ مساحة الأراضي المزروعة في الضفة الغربية 1,693,742 دونماً، وتشكل مساحة الأراضي الزراعية في منطقة الدراسة ما مجموعه 151,412 دونماً فقط، أي ما يعادل أقل من 9% من مساحة الأراضي المزروعة في الضفة، بينما تبلغ مساحة الأراضي الزراعية في محافظة جنين وحدها 350,990 دونم، أو 20.7% من مجمل الأراضي الزراعية في الضفة”.
وأردف: المثير للسخرية أن الدراسة تدعي أنه في حال استغلال كل الأراضي منطقة المشروع، فإن المساحة الإجمالية ستصل إلى 439,000 دونم فقط، أي أكثر بقليل من المساحة المزروعة الحالية في محافظة جنين، ولن تتجاوز 23% من مجمل الأراضي الزراعية في الضفة، وذلك في حال لم تطور، أو تستصلح أي أراضٍ زراعية في محافظات الضفة الأخرى.
وكانت صدرت دراسة أخرى عن المركز، بعنوان “المنطقة الصناعية الزراعية في أريحا والآثار الاقتصادية المتوقعة”، تطرقت إلى أنه “من الواضح أن المشروع قد يحسن الوضع الزراعي في منطقة المشروع، لكنه صمم ليحسن الصادرات لمستوطنات غور الأردن”، مضيفة “المشروع لم يضم دولة الاحتلال كشريك رابع فقط، لكن دراسة الجدوى التي أصدرتها الوكالة اليابانية، تحدثت بكل وضوح عن أهمية دعم الشركات الزراعية الإسرائيلية والأجنبية في منطقة المشروع”.
واستدركت “عند الاطلاع على المشروع القطري الأشمل، الذي يشمل الأردن والمناطق الفلسطينية ودولة الاحتلال، تتكشف المزيد من الحقائق، فالمشروع القطري سيشمل إنشاء مطار في الجانب الأردني من غور الأردن، مخصص للتصدير الزراعي إلى كل من دول الخليج، وأوروبا، والولايات المتحدة”.
وأضافت: المطار سيصدر المنتجات الأردنية والفلسطينية، لكن سيتحول أيضاً، إلى بوابة للمنتجات الإسرائيلية الزراعية، خاصة منتجات المستوطنات، إلى دول الخليج وغيرها، وهذا ما يفسر المصادرات الأخيرة في غور الأردن لصالح مستوطنات زراعية، والأموال الطائلة التي ينفقها الاحتلال لتطوير الزراعة في تلك المنطقة.
وأشارت إلى أن الدراسة المعدة للمشروع تحتوي نواقص عديدة عند تحليل الجدوى الاقتصادية؛ مما قد يجعل المشروع بأكمله عديم الجدوى الاقتصادية أو السياسية.
وتابعت: إن نقل المصانع الكبرى في الضفة إلى منطقة أريحا الصناعية، سيؤدي إلى تدمير مصدر الرزق لآلاف المزارعين الحاليين من المحافظات المختلفة، الذين يعتمدون على بيع منتجاتهم لهذه المصانع.
ورأت أن “المشروع ودراسته وضعت عدة شروط غير منطقية على السلطة، قد تؤدي إلى فشل المشروع، مضيفة “ستعتمد أغلب المصانع في منطقة أريحا الصناعية، على شراء المنتجات الزراعية من المزارع في منطقة المشروع ومجمل الضفة، (…) لكن ماذا سيحدث لو قامت شركة مستوطنات إسرائيلية بشراء إنتاج المزارعين بأسعار أعلى من مصانع المنطقة، بهدف تدمير أي منافس فلسطيني للمنتج الإسرائيلي، كما يحدث حاليا في مناطق عديدة بالضفة”.
وأكدت أن المشروع بصيغته الحالية، لا يصب في خانة بناء اقتصاد مستقل ومقاوم للاحتلال.
ورأت أنه “بسبب الرغبة الشديدة للحكومة اليابانية والسلطة الفلسطينية في إقامة المشروع، وتوفر الأموال له، والانتهاء من أجزاء كثيرة تتعلق بالبنية التحتية لمنطقة المشروع، فمن الأفضل، إعادة توجيه ودراسة المشروع بما يضمن دعم القطاع الزراعي الفلسطيني في كل مناطق الضفة الغربية والقطاع، ورفع مستوى إنتاجه، وتحسين دوره في الاقتصاد الفلسطيني، وزيادة مساهمته في سد فجوة الأمن الغذائي الفلسطيني”.
وبينت أن على مؤسسات المجتمع المدني، والنقابات الزراعية الضغط على الممول والسلطة؛ لضمان تحويل وتنفيذ المشروع، بما يخدم المزارعين وأهداف التنمية الفلسطينية القائمة على الصمود ومواجهة المخطط الاستعماري، إلى جانب أن يشرعا في حوار مفتوح بينهما وبين السلطة والأحزاب السياسية؛ لبناء تصور وخطة استراتيجية فلسطينية بديلة تحمي الأرض، والمزارع، والتاجر، وتحسن من ظروف كل منهم.
كما أشار المركز في دراسة بعنوان “السياسات الاقتصادية في الأغوار وأثرها على المزارعين”، إلى أن الاحتلال الإسرائيلي للأغوار مرتبط بما تتيحه المستوطنات من مستويات اقتصادية للمستوطنين ودولة الاحتلال، وأن المزاعم الأمنية –السياسية ما هي إلا محفزات وأدوات لتكريس وتعزيز السيطرة على هذه المنطقة، لافتا إلى أن الجهد الفلسطيني الشعبي، والأهلي، والحكومي، والخاص؛ يجب أن يكون مؤثراً في أداء المستوطنات، والإخلال بنشاطها الاقتصادي عبر المحافظة على حيوية حملات مقاطعة منتجات المستوطنات على المستويين المحلي والدولي.
وأوردت الدراسة أن “ما يعد له الاحتلال بخصوص الاستثمار، ورفع كفاءة الإنتاج في مستوطنات الغور، لا يعيق تنفيذه سوى الوقت، وتهيئة الظروف والوقائع التي تتيح ذلك”.
وبينت أن الهوية الاقتصادية للحكومة المبنية على “الاقتصاد الحر، جعلت الاستثمار في الغور بيد فئة محدودة من الناس، الأمر الذي يرتبط بالسياسات والقوانين المعمول بها وليس خارج نطاقها، مضيفة “التخوف من أن المنطقة الصناعية في أريحا ستحدد حاجة السوق، بناء على توجهات المستثمرين للربح من زراعات تصديرية أو منتجات محددة، وبالتالي فإن المستثمر هو الذي سيخطط لصغار المزارعين سياساتهم الزراعية، ما سيكون له بالغ الأثر على السوق، والقدرة والقيمة الشرائية للمنتجات التي تشتهر بها المنطقة”.
واعتبرت أن تنفيذ مشاريع ضخكة شبيهة بالمنطقة الصناعية، يجب أن يكون باتجاه رفع كفارة وقدرة المزارعين الصغار في الغور، رهنا بمشاريع وبرامج تبنى مع الجهات المانحة، مضيفة “إن تفويض أية جهة حكومية أو خاصة بإدارة هذه المشاريع، يجب أن يكون بما يحقق هدف تحسين وتطوير فرص المزارعين الصغار، وليس خدمة المستثمرين وبعيدا عن الشراكة مع الجانب الإسرائيلي”.
وأكدت أن السياسات الخاطئة لبعض المنظمات الأهلية العاملة في الغور، المبنية على سياسات وتوجهات الممولين والمانحين، تعمق لدى المجتمع المستهدف، التعاطي والتعايش مع الحاجة، وليس تجاوزها في حال كان التوجه العام تنمية الغور، ورفع كفاءته باستغلال مصادره المتاحة”.
وبينت “أن ما أتاحه واقع الزراعات التصديرية في الغور، ولد انطباعا لدى العمال وصغار المزارعين، بأن ما يجري هو استثمار في معاناتهم وحاجتهم، وليس خبراتهم وتخصصاتهم، الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في الحد الأدنى للأجور، والحقوق العمالية الأخرى، التي ستكون حافزا للعمال لهجر العمل في مستوطنات الغور، لصالح العمل في زراعات فلسطينية شبيهة”.
تجدر الإشارة إلى أن “بيسان”، كان قد أصدر دراسة أخرى مؤخرا، حول اتفاقية الامتياز الموقعة بين هيئة المدن الصناعية والشركة التركية المطورة لمنطقة جنين الصناعية.