إسرائيل.. والتفاهم السعودي الإيراني ، بقلم : نبيل عمرو
وقع التفاهم السعودي الإيراني الذي سيفضي الى عودة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، وقع العاصفة على الطبقة السياسية الإسرائيلية، المنقسمة على نفسها. بين حكومة تقوم بإجراءات جراحية تغير هوية الدولة، وبين معارضة استنفرت الشارع لحمل الحكومة على التوقف، ذلك مع تصعيد امني لا حل له.
رد الفعل الذي لم يتأخر ولو لدقائق على ما أُعلن في بيكين اظهر كم هي إسرائيل غائبة او مغيبة نفسها عن الواقع السياسي المتحرك في المنطقة والعالم، فما يزال الفكر السياسي الذي يهيمن على قراراتها محكوم بعقدة “التفوق والاستثناء”، وأصبحت بديهية تكيف العالم القريب والبعيد مع نتاج هذه العقدة، ثابت من ثوابت السياسة والسلوك، لهذا تقحم نفسها وبفظاظة ملفتة في كل حدث إقليمي او دولي، وتعتمد تقويما خاصا بها له، يقوم على مبدأ … “كم انسجم هذا الحدث او خرج عن المقاييس الإسرائيلية”.
الطريقة التي عبرت بها الطبقة السياسية الإسرائيلية عن موقفها حيال التطور السعودي الإيراني، تدل على خلل في التحليل والتوظيف، فالمعارضة ترى ان الامر مجرد تقصير في سياسة الحكومة، اما فريق نتنياهو فيسند الامر الى سياسات المعارضة التي تعمل كل ما باستطاعتها لحرف اهتمام الحكومة وحصرها في الانشغال بالازمات الداخلية.
هذا المنطق فيه انكار مَرَضي لبديهيات السياسة، ذلك ان ما حدث أخيرا على صعيد العلاقات السعودية الإيرانية، والذي جاء نتيجة تدخلات لدول وازنة في المنطقة والعالم، اكبر بكثير من حيث الحجم والتأثير من الدولة العبرية. وخيالات قادتها. اسرى عقدة التفوق والاستثناء، فالتفوق الذي كانت بذرته الأولى.. تأسيس الدولة ثم “انتصار حزيران” آخذ بالتآكل من خلال عدم القدرة على حسم أي امر يوفر امنها واستقرارها وسيطرتها، بل ان عقدة التفوق والاستثناء تحولت الى عامل تضليل للذات الإسرائيلية، فقادتها أصحاب القرار السياسي فيها، ما يزالون وبفعل هذه العقدة يعانون من الارتهان لمعادلة مستحيلة، قوامها “يأخذون كل شيء ولا يعطون أي شيء”.
وما دمنا في ذكر التطور السعودي الإيراني، وجهد الصين الذي لا يصح تجاهل مغزاه في هذا الوقت بالذات، فقد كانت العقدة الإسرائيلية، سببا في التهميش حد الإلغاء، للمبادرة العربية للسلام التي انتجتها السعودية، وتبناها المؤتمر الإسلامي في طهران، كانت عقدة التفوق والاستثناء قادت الإسرائيليين على مختلف حكوماتهم ليس الى تفويت الفرصة التي يصح وصفها بالتاريخية، بل طالبت ثمنا لمجرد القاء نظرة عليها!.
ما حدث في بيكين عمل سياسي كبير، سيتجاوز في تأثيره حدود علاقة ثنائية بين بلدين كبيرين ليسهم وعلى نحو أساسي في استقرار منطقتنا المضطربة، واذا كانت إسرائيل شديدة القلق مما حدث، فعليها ان تقلق من العقدة التي ما تزال مستحكمة في سياساتها وقراراتها، عليها ان تقلق من استبداد الأوهام في اجندات سياسييها، وعليها كذلك ان تقلق من اعتبار نفسها مركز الكون، فالتفوق اضحى مسألة نسبية وذات تأثير نسبي، اما الاستثناء فها هو يتحول الى عبء وليس ميزة.
العالم كله ايّد ما حدث في بكين، واذا كان هنالك بعض قلق فسببه ان لا يُفهم ما حدث خصوصا من الجانب الإيراني على انه لا يتضمن حتمية تغيير كبير في السياسة والسلوك.