أهداف الحجيج الأمريكي المتواصل للمنطقة ، بقلم : راسم عبيدات
الحجيج الأمريكي المتواصل للمنطقة من قبل قادة عسكريين وامنيين وسياسيين،بدءاً بمستشار الأمن القومي جاك سوليفان،في ال 19 من كانون ثاني الماضي وأعقبه مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وليم بيرنز في ال 29 من نفس الشهر ومن ثم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في ال 31 من نفس الشهر،وطواقم أمنية وسياسية وعسكرية من درجات أقل بقيت في المنطقة لمتابعة نتائج الحوارات والجولات واعطاء الأوامر والتعليمات للأدوات التابعة،والسعي لضمان أمن دولة الكيان،محور الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة،ولعل اخطر تلك الجولات،هي عملية التسلل وانتهاك السيادة السورية في الرابع من هذا الشهر من قبل رئيس اركان الجيش الأمريكي مارك ميلي لشرق سوريا الشمالي،لتفقد القواعد الإحتلاليه الأمريكية،وواضح بأن الأهداف من تلك الزيارة ،منع التقارب بين سوريا وتركيا والذي قطع شوطاً كبيراً،وكذلك منع فوز اردوغان في الإنتخابات التركية الرئاسية في تموز القادم من بوابة التقارب السوري- التركي، وأيضاً استمرار عملية النهب الأمريكي مع حلفائها للغاز والنفط السوري،وتشكيل واجهات عشائرية على غرار الصحوات العراقية،بهدف العمل عبر الحدود السورية العراقية،على قطع الطرق البرية بين ايران والحشد الشعبي في العراق وبين سوريا والضاحية الجنوبية في لبنان،واستمرار استنزاف سوريا وتركيا عسكريا واقتصادياً ،وأيضاً منع التقارب العربي مع سوريا وتطبيع العلاقات مع القيادة السورية،خاصة ما شهدناه من زيارات لقيادات عربية لسوريا من بعد الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا،ولتحقيق هذا الهدف اوعزت أمريكا لحليفتها دولة الكيان بقصف مطار حلب الذي تصل عبره المساعدات الإنسانية.والذي تم اخراجه عن الخدمة مؤقتاً،واعقب ذلك زيارة مارك ميلي لدولة الكيان ومصر والأردن،وكذلك وزير الدفاع الأمريكي لويد اوستن،والذي قبل زيارته لدولة الكيان عصر اليوم 9/3/2023،زار القواعد الأمريكية في العراق،ويبدو بأن ذلك مرتبط بتهيئة الرأي العام الأمريكي والمجتمع الدولي لإحتمالية توجيه ضربة عسكرية لإيران تستهدف منشأتها النووية..
نحن ندرك بأن هذا الحجيج الأمريكي المتواصل،له علاقة بالملف النووي الإيراني وغضب الضفة والقدس الذي لا يهدأ وكذلك شد عصب وعضد الأصدقاء والحلفاء من قضية الحرب التي تديرها وتشرف عليها امريكا مع روسيا في أوكرانيا،والإصطفاف خلفها في حربها غير المقدسة على روسيا،ولعل الملف الفلسطيني وتصاعد اعمال ا ل م ق ا و م ة في الضفة والقدس،واحتمالية انفجار الأوضاع من بوابة شهر رمضان والأقصى،والخوف من حريق واسع يندلع في ظل “شيطنة” ووسم للشهر الفضيل بالعنف من قبل قادة دولة الكيان ،يتقدم على الملف النووي الإيراني في درجة الإستعجال،رغم أنه اقل اهمية وخطورة،ولكن الحريق المندلع من هذه البوابة قد يحرق ويجرف معه السلطة الفلسطينية،التي تعاني جموداً وتآكل في دورها السياسي لصالح دورها الوظيفي كوكيل أمني لدولة الكيان،وكذلك هذا الإنفجار وما ينتح عنه من شرار متطاير ،قد يمتد الى حلفاء واشنطن مصر والأردن،واللتان تعانيان من أزمات اقتصادية ومالية غير مسبوقة،ولذلك دعا بلينكن دولة الكيان والسلطة الفلسطينية بعد موافقتها على خطة الجنرال الأمريكي فنزل الأمنية والأردن ومصر الى اجتماع في العقبة،أتى بعد مجزرة نابلس في 22/2/،2023 التي خلفت 11 ش ه ي د اً وأكثر من 100 جريح،وبالتزامن مع هذه القمة،جاءت عملية ا ل شه ي د عبد الفتاح حروشة، الذي جرى اغتياله في مخيم جنين،ضمن المجزرة التي خلفت 6 شهداء واكثر من 26 جريح، بقتل مستوطنين في بلدة حوارة،التي تعرضت على خلفية هذه العملية الى محرقة من قبل زعران المستوطنين،مخلفة ش ه ي د وحرق أكثر من مئة سيارة وعشرات المنازل والممتلكات،والتباهي والفخر بهذه الجريمة من وزراء الفاشية اليهودية بن غفير وسموتريتش.
هذه المحرقة صعبت مهمة بلينكن بالتوصل الى تهدئة امنية، ومنعت تقدم وتنفيذ خطة الجنرال فنزل التي وافقت عليها السلطة الفلسطينية ،بإستعادة السيطرة على مدينتي نابلس وجنين وتصفية بؤر وخلايا ا ل م ق او م ة واعتقال وتصفية ا ل م ق ا و م ي ن،تلك التهدئة التي كشف كذب وزيف اركان السلطة ومن كانوا منها شركاء في هذا الإجتماع، بأن اللقاء لم يكن أمني،بل سياسي وتضمن تجميد مؤقت لمناقشة اقامة المزيد من المشاريع الإستيطانية ،ووقف مؤقت لهد المنازل الفلسطينية في مناطق ( سي” والقدس،بالإضافة الى وقف عمليات الإقتحام للمدن والبلدات الفلسطينية،حيث اعلن قادة دولة الكيان،بأن الإستيطان لن يتوقف ليوم واحد ولا وقف لهدم المنازل المقدسية ولا وقف لإقتحامات المدن والبلدات المقدسية.
تصاعد ازمات الكيان وتعمقها السياسية والمجتمعية واتساع رقعة الإحتجاجات كماً ونوعاً ضد سياسة نتنياهو وخطة اضعاف القضاء،ودخول المؤسستين العسكرية والأمنية على خط هذه الأزمة،والتي تعدت كونها أزمة سياسية ومجتمعة متعمقة،بل أزمة بنيوية في تركيبة الكيان واختلاف قومي وطبقي لمستوطنية،وهذه الهوية المهجنة لدولة الكيان،التي تنذر بدخول دولة الكيان في حرب أهلية تعجل بخرابها من الداخل، قد تدفع بنتنياهو وشهوانيته للسلطة المتشبث بها،لكي لا يخسر مستقبليه السياسي والشخصي،نتيجة التهم المنظورة ضده اما القضاء “الإسرائيلي” بالرشوة وخيانة الأمانة وسوء الإئتمان،الى شن حرب آحادية الجانب على ايران،وتفجير الوضع في وقت لا ترغب فيه واشنطن ويتعارض مع اولوياتها ومصالحها،والذي قد يدفع بالمنطقة نحو حرب إقليمية شاملة،ولذلك يجري القادة العسكريين والسياسيين والأمنيين الأمريكان،مشاورات ولقاءات مكثفة مع اطرف قمة العقبة، لتثبيت تهدئة امنية،عبر الذهاب الى قمة العقبة 2 في شرم الشيخ،والتي يبدو بأن عقدها قد يتأجل أو يلغى ،حيث جاءت مجزرتي جنين وجبع وما اعقبهما من رد فلسطيني بعملية نوعية في شارع ديزنكوف- تل ابيب،ل”تفرمل” وتحد من اندفاعات السلطة من الذهاب لهذه القمة،والتي يراد منها ،ان يعمل حلف ” ابرهام” التطبيعي لضم السلطة والأردن لهذا الحلف،لكي يذهبوا موحدين الى قمة ” منتدى النقب” الثانية في المغرب،في شهر آذار الحالي،من أجل إقامة هيكل أمني بأشراف امريكي وقيادة دولة الكيان،ومشاركة حلف ” ابرهام التطبيعي” ومعه الأردن والسلطة.
يبدو بأن ما لم ينجح به الجنرال الأمريكي السابق دايتون،لن ينجح به الجنرال الأمريكي فنزل،ورغم أن امريكا ودولة الكيان متفقتان في الجانب الإستراتيجي،فيما يخص الملف النووي الإيراني،ولكنهما مختلفتان في الجانب التكتيكي،فأمريكا ما زالت تفضل التريث ومعالجة هذا الملف عبر مسلسل العقوبات القصوى وتشديدها،ولكن دولة الكيان تفضل الخيار العسكري وتشديد العقوبات بنسختها الترامبية، وفي اعتقادي الجازم بأن التلويح بالخيار العسكري من قبل دولة الكيان منفردة او بمشاركة امريكا مستبعد حالياً،إلا اذا ما ارتكب نتنياهو حماقة تشعل حرباً اقليمية،وكذلك لا اعتقد بأنه سيكون هناك تهدئة وتقطيع للوقت لمرور آمن لشهر رمضان،في ظل فاشية يهودية تسعى للتصعيد وتفجير الأوضاع،ومن هنا يبقى الخيار العسكري وتصدير نتنياهو لأزماته وارد ،ويضاف لذلك انه غير قادر على لجم جماعات الفاشية اليهودية التي باتت متحكمة بمفاصل القرار السياسي لدولة الكيان،ولذلك قد يقدم نتنياهو على حرق روما على نفسه وعلى من فيها.
فلسطين – القدس المحتلة