حوارة – هدف إجرام المستوطنين المتكرر ، بقلم : ماهر الشريف
بينما كان البيان الختامي الصادر عن اجتماع العقبة الخماسي يجدد التأكيد “على ضرورة الالتزام بخفض التصعيد على الأرض ومنع المزيد من العنف”، كان عشرات من المستوطنين الصهاينة من مستوطنة “يتسهار” يهاجمون، تحت حماية جنود الاحتلال، بلدة “حوارة” الواقعة إلى الجنوب من مدينة نابلس، ويقومون بإضرام النار في نحو 75 منزلاً، دمرت بصورة كلية أو جزئية، وفي عشرات السيارات، ويحطمون واجهات العديد من المتاجر، ويقتلعون أشجار الزيتون. وقد تسبب هذا الهجوم في إصابة نحو مئة فلسطيني بجراح أو بحالات اختناق، كما استشهد فلسطيني يبلغ من العمر 37 عاماً بعد إصابته برصاصة في قرية زعترة بالقرب من نابلس. وبغية التعمية على التواطؤ الواضح بين جنود جيش الاحتلال والمستوطنين، نشر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رسالة مصوّرة “دعا فيها إلى الهدوء، وطالب الإسرائيليين بعدم تحقيق العدالة بأيديهم، وأن يدعوا الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن يقومون بعملهم”.
ذريعة لا تصمد أمام الحقائق
وإذ تذرع المستوطنون، والمسؤولون الإسرائيليون، لتبرير هذا العمل الإجرامي بمقتل مستوطنَين في اليوم نفسه على يد شاب فلسطيني، فإن هذه الذريعة لا تصمد، في الواقع، أمام الحقائق التي تظهر أن بلدة “حوارة” كانت منذ سنوات عرضة لهجمات المستوطنين وأعمالهم الإجرامية. ففي تحقيق نشره في 26 كانون الثاني/يناير 2022، أشار الصحافي جوليان لاكوري إلى أن عدداً من المستوطنين هاجموا بالحجارة أثناء مرورهم في بلدة “حوارة”، يوم الاثنين في 24 من ذلك الشهر، المارة الفلسطينيين، فأصابوا سبعة منهم بجراح وألحقوا أضراراً بمتجرين، بينما كان جنود إسرائيليون يجلسون في سيارة جيب ويراقبون الحادث من دون أن يتدخلوا. وقبل ثلاثة أيام من وقوع الحادث المشار إليه، اعتدى 15 مستوطناً بقضبان حديدية على أعضاء من منظمة “حاخامات من أجل حقوق الإنسان” قدموا إلى البلدة للمشاركة في زراعة أشجار زيتون كان مستوطنون قد اقتلعوها. ويتابع الصحافي نفسه، أن تقريراً لجهاز “الشاباك” أفاد بحدوث زيادة بنسبة 50 % في عام واحد على أعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون بحق الفلسطينيين.
وفي 14 تشرين الأول/أكتوبر 2022، نشرت يمنى باتل، مسؤولة موقع “موندويس” الأميركي الإخباري في الضفة الغربية المحتلة، تحقيقاً عن تعرض بلدة “حوارة” لهجوم واسع من قبل المستوطنين، يومي الخميس والجمعة في 13 و 14 من ذلك الشهر، إذ هاجم عدد من المستوطنين، تحت حماية جنود الاحتلال، عدة نقاط في البلدة ظهر يوم الخميس، ما أدى إلى تخريب عدد من واجهات المحلات والسيارات، كما أحرقوا أشجار الزيتون وألحقوا أضراراً بعدة منازل وحديقة ترفيهية ومقهى في ضواحي البلدة. وقال شادي ياسين عودة، 33 عاماً، من سكان البلدة لموقع “موندويس”: “كنت في المنزل عندما تلقيت مكالمة حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر، تخبرني بأن المقهى الخاص بي على التل مشتعل وأن المستوطنين يهاجمون المنطقة”، ولكن عندما وصل شادي إلى المقهى، كان الأوان قد فات، واحترق المقهى بأكمله. وعلّق شادي على ذلك بقوله: “كنت عاجزاً عن الكلام عندما رأيت حالة المقهى، لم أصدق عينيّ، ذهب كل شيء، لقد فقدت كل شيء، وضاع مصدر حياتي بالكامل، ليس لدي المال لإعادة بناء هذا المكان، سأضطر للبحث عن عمل لإعالة أسرتي”.
وحوالي الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم الجمعة، أثناء صلاة الجمعة، بدأت مجموعات من المستوطنين المسلحين والملثمين بمهاجمة المنازل وواجهات المحلات قبالة الطريق الرئيسي للبلدة الذي يربط “حوارة” والقرى المحيطة بها بمدينة نابلس في الشمال. وقال سلامة سليم من سكان البلدة: “بدأوا في إلقاء الحجارة على السيارات المارة، وتحطيم نوافذ المتاجر وتخريبها من الداخل، وتخريب المركبات، ومحاولة إشعال النار فيها ومهاجمة المنازل؛ لقد فعلوا كل هذا في وقت الصلاة، عندما كان معظم رجال البلدة في المسجد، والنساء والأطفال هم وحدهم في المنازل”. ويتابع التحقيق، أنه بعد صلاة الجمعة “خرج العشرات من شبان حوارة إلى الشوارع لمواجهة المستوطنين والجنود، فأطلق جنود الاحتلال عليهم الأعيرة النارية والأعيرة المعدنية المغلفة بطبقة رقيقة من المطاط وقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع”، ما أدى إلى إصابة عدد من المواطنين بجراح.
أما محمد دلال، 55 عاماً، صاحب مشغل تصليح سيارات على طريق “حوارة” الرئيسي، الذي كان موجوداً عند وقوع هجوم يوم الجمعة عند جاره في البناية نفسها، فيعّلق على ما حدث بقوله: “اتصلت بي زوجتي وهي في حالة ذعر قائلة إن المستوطنين والجنود يهاجمون منزلنا ومتجرنا في الطابق الأرضي؛ لم أسمع أي شيء آخر قالته، ركضت بسرعة، وبالكاد استطعت الضغط على زر المصعد للنزول لأنني كنت أرتجف، وعندما وصلت وبدأت أحاول الدفاع عن منزلي من الجنود والمستوطنين، ألقى المستوطنون الحجارة على منزلنا وأطلق الجنود الغاز المسيل للدموع علينا؛ ابنتي أغمي عليها من استنشاق كمية كبيرة من الغاز المسيل للدموع، لكننا لم نتمكن من الخروج من المنزل لأن المستوطنين كانوا يحيطون بنا”. وأخيراً، وبعد أن غادر المستوطنون منزل محمد دلال، واستمروا في إحداث الخراب في المحلات والمنازل في نهاية الشارع، في حماية جنود الاحتلال، تمكن من نقل ابنته إلى المستشفى، حيث عولجت مع عدد من الفلسطينيين في البلدة الذين خضعوا لإصابات جراء الضرب واستنشاق الغاز المسيل للدموع.يقول الفلسطينيون في “حوارة”،
كما تنقل عنهم معدّة التحقيق، إن الهجمات “هي مؤشر على تفاقم عنف المستوطنين في الضفة الغربية وسط ثقافة إفلات المستوطنين من العقاب، فضلاً عن الحماية التي يتلقونها من القوات الإسرائيلية أثناء هجماتهم”. وقال محمد دلال: “المستوطنون والجنود يعملون معاً؛ إنهما الشخص نفسه، فعندما يخلع الجندي زيه فهو مستوطن”، وأضاف: “لقد تسبب المستوطنون والجنود بصدمة نفسية لمدينتنا وأطفالنا وكبار السن لدينا”. ويخلص التحقيق إلى أن تواطؤ الدولة مع المستوطنين، أثناء مهاجمة الفلسطينيين وممتلكاتهم، أمر موثق جيداً من قبل منظمة “بتسيلم” الإسرائيلية، التي أشارت في تقرير لها إلى “أن عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين هو جزء من الاستراتيجية التي يستخدمها نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، والذي يسعى للاستيلاء على المزيد والمزيد من الأراضي في الضفة الغربية”. بينما يفيد تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بأنه بحلول نهاية سبتمبر/ أيلول 2022، تم تسجيل أكثر من 470 عملاً من أعمال عنف ارتكبها المستوطنون في الضفة الغربية منذ بداية العام.
الحل سياسي ولا يمكن أن يكون أمنياً
وقع هجوم المستوطنين على بلدة “حوارة”، ومقتل مستوطنَين على يد شاب فلسطيني بالقرب من البلدة، في وقت انعقاد الاجتماع الخماسي الذي استضافه الأردن، وجمع مسؤولين أمنيين فلسطينيين وإسرائيليين وأميركيين وأردنيين ومصريين، وذلك من أجل “إعادة الهدوء” في الأراضي المحتلة. وبعد “مناقشات معمقة وصريحة”، تعهد الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، في بيان مشترك، “بمنع المزيد من العنف” والعمل على “وقف التصعيد”. كما “أكدت الحكومة الإسرائيلية والسلطة الوطنية الفلسطينية استعدادهما المشترك والتزامهما بالعمل الفوري لوقف الإجراءات الأحادية الجانب لمدة 3-6 أشهر، ويشمل ذلك التزاماً إسرائيلياً بوقف مناقشة إقامة أي وحدات استيطانية جديدة لمدة 4 أشهر، ووقف إقرار أي بؤر استيطانية جديدة لمدة 6 أشهر”.
وبغض النظر عن رغبة الأطراف العربية المشاركة في اجتماع العقبة في “وقف التصعيد” في الضفة الغربية المحتلة قبل أسابيع قليلة من حلول شهر رمضان، فإن تجربة الحياة أثبتت أن بيانات “الوعود” هذه، المعبّرة عن “حسن النوايا”، ستبقى من دون جدوى، طالما بقي الاحتلال للأرض الفلسطينية قائماً، وخصوصاً في ضوء الاتفاقات الائتلافية التي تشكّلت على إثرها الحكومة الإسرائيلية الجديدة، والتي جعلت الضفة الغربية المحتلة ومستقبلها في أيدي بتسلئيل سموتريتش الذي لا يخفي نواياه في شرعنة جميع البؤر الاستيطانية وتوسيع البناء في المستوطنات وضم الضفة الغربية بكاملها، أو على الأقل المنطقة ج منها، إلى إسرائيل، كما وضعت مصير حياة الفلسطينيين في أيدي أيتمار بن غفير الذي وسّع إمكانيات تسليح الإسرائيليين وسهّل لهم عمليات إطلاق النار على الفلسطينيين ومرّر مؤخراً في الحكومة القانون الذي يقضي بإعدام الفلسطينيين الذين يلجأون إلى أعمال المقاومة المسلحة. وهكذا، سيكون ساذجاً من يظن أنه أمام هذا الواقع يمكن وضع حد للمقاومة الفلسطينية، بأشكالها المختلفة، للاحتلال ومستوطنيه، كما سيكون ساذجاً من يعتقد أن إنهاء دوامة العنف في الأراضي الفلسطينية يمكن التوصل إليها عن طريق حل “أمني”، وليس عن طريق حل سياسي شامل ينهي الاحتلال ويزيل المستوطنات التي أقامها على الأرض الفلسطينية، ويضمن للفلسطينيين حقهم في تقرير مصيرهم.