شفا – شددت الحكومة الإسرائيلية من سياسات الهجرة في إسرائيل ما أدى إلى انخفاض الوافدين بنسبة 90 بالمائة خلال الأشهر القليلة الماضية حيث انخفض العدد من 2,000 مهاجر في مايو إلى 122 في سبتمبر.
وبموجب قانون مكافحة التسلل المعدل الذي تم إقراره في يناير يتم اعتبار جميع عابري الحدود بالطرق غير المشروعة “متسللين” ويمكن احتجازهم لمدة تصل إلى 3 سنوات.
لكن على الرغم من اتفاق الجميع على انخفاض أعداد طالبي اللجوء، إلا أن بعض المنظمات غير الحكومية تقول أن إسرائيل تتجاهل مسؤوليتها بموجب القانون الدولي للاجئين.
وتقوم إسرائيل ببناء جدار بطول 240 كيلومتراً على طول الحدود المصرية في شبه جزيرة سيناء بتكلفة 360 مليون دولار. وقد تم تجهيز الجدار بكاميرات وأجهزة لكشف الحركة ومن المقرر الانتهاء منه نهاية هذا العام.
وقال داويت، البالغ من العمر 27 عاماً والذي اكتفى بذكر اسمه الأول، أنه وصل حديثاً من إريتريا لطلب اللجوء. وأضاف قائلاً: “حينما أفكر في فرص اللاجئين وأنهم سيتعرضون للقتل أو التعذيب أو الاغتصاب ثم الوصول إلى الجدار وإرجاعهم – أقول لهم لا تقدموا على هذه الخطوة”.
وكان داويت قد تمكن من عبور الحدود قبل تنفيذ الإجراءات الجديدة لكن منذ وصوله لم يعثر على عمل وهو يحصل الآن على طعامه اليومي من مطبخ عام للفقراء.
ويعتبر بناء الجدار جزءاً من سلسلة التدابير التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية والتي تشمل بناء مراكز للاحتجاز في صحراء النقب وتوسيعها، ووضع قيود على التحويلات المصرفية للعمال المهاجرين وعمليات الترحيل. وقد تم وضع تلك التدابير لجعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة لنحو 60,000 من طالبي اللجوء الأفارقة في البلاد، ولردع من يفكر في الانضمام إليهم. وتقول الحكومة الإسرائيلية أن تلك التدابير ضرورية لأمن البلاد.
أما الذين يجدون طريقاً للالتفاف حول الجدار فإنهم يواجهون عقوبة تصل إلى 3 سنوات في السجن. وتشير تقديرات المنظمات غير الحكومية إلى أن وجود نحو 3,500 مهاجر غير شرعي محتجزين في سجن ساهارونيم وسجن كتسيعوت في النقب.
وطبقاً لوزارة الداخلية، ستزيد الطاقة الاستيعابية لمراكز الاعتقال إلى 5,400 شخص إذ يجري حالياً بناء مركزين جديدين وهما نحال رافيف وسادوت اللذين قد يستوعبان معاً نحو 5,000 مهاجر، معظمهم سيقيم داخل خيام.
ولا يشغل تلك المراكز القادمون الجدد من إفريقيا فحسب، بل مقيمون آخرون مثل أليشيا البالغة من العمر 23 عاماً والتي أفصحت عن اسمها الأول فقط. وقالت أنها نادراً ما تنام في الليل. وأضافت قائلة: “أتساءل ماذا سيفعلون بكل تلك الخيام التي يقومون ببنائها. أنا في تل أبيب أحاول بناء حياتي، لكنني اعتقد أنه سيأتي اليوم الذي سيأخذون الأحرار أيضاً ويضعونهم هناك في مراكز الاحتجاز”.
تشديد السياسات
وقبل تشديد سياسات الهجرة في إسرائيل لم يكن المهاجرون الأفارقة يواجهون الكثير من الصعوبات لعبور الجدار المنخفض الذي يفصل رسمياً الحدود مع مصر. وكانت القبائل البدوية تساعد في الكثير من الأحيان في تهريب المهاجرين وطالبي اللجوء مقابل الحصول على مبالغ ضخمة. وفي أحيان أخرى لا يتم الحصول على المال فحسب بل يتم احتجاز الأفارقة أيضاً للحصول على فدية حيث يتم تعذيبهم واغتصاب النساء.
لكن يبدو أن هذا النمط يتغير الآن لأن الجدار الجديد يغطي تقريباً طول الحدود بالكامل. وتقول وزارة الداخلية أن الجدار قد خفض بشكل كبير أعداد المتسللين خلال الأشهر الأخيرة.
تصلب الرأي العام
وقد تم إقرار قانون مكافحة التسلل في عام 1954 كوسيلة للتعامل مع الفلسطينيين المسلحين الذين كانوا يعبرون الحدود لمهاجمة إسرائيل. وفي السنوات الأخيرة، جرت عدة محاولات لتحديث القانون ليتعامل مع الأعداد المتزايدة من المهاجرين وطالبي اللجوء الأفارقة الذين وصل منهم حوالي 60,000 منذ عام 2005.
وحتى وقت قريب كانت تلك المحاولات لا تحظى بشعبية ولكن في عام 2012 حدث تحول في الرأي العام ضد المهاجرين بتشجيع من السياسيين المتشددين. فقد شهد هذا العام مظاهرات عنيفة ضد المقيمين الأفارقة في مدن تل أبيب وعراد، وقام بعض الآباء باتخاذ إجراءات في إيلات لمنع ما يسمونه “بالأطفال المتسللين” من حضور المدارس.
وقال شلومو ماسلاوي، عضو المجلس البلدي في تل أبيب، أن معدل الجريمة قد ارتفع بشكل كبير منذ وصول “الغرباء”. وأضاف قائلاً: “ليس من الآمن بالنسبة لأطفالنا وبناتنا السير في الشوارع. نحن الضحايا الحقيقيون هنا وليس ما يسمى باللاجئين. لقد أصبحت شوارعنا أحياء قذرة”.
المهاجرون يعترضون على وصفهم بأنهم خطر على المجتمع. ويقول سليمان وهو طالب لجوء إريتري صرح لنا باسمه الأول فقط: “لسنا مجرمين”. وينام سليمان في حديقة ليفينسكي في تل أبيب منذ أكثر من شهرين.
وأضاف قائلاً: “ليس لدينا عمل لأن الإسرائيليين يخافون منا ويطلقون علينا لقب الزنوج ويقولون أننا نجعل حياتهم بائسة ولكن كل ما نريد أن نفعله هو البقاء على قيد الحياة. وإذا لم نستطع- فقد يلجأ البعض منا حينها إلى السرقة للبقاء على قيد الحياة، لكننا لسنا عصابة من اللصوص والمغتصبين”.
وتقول بعض المنظمات غير الحكومية أنه لا بد أن توفر إسرائيل تصاريح عمل لطالبي اللجوء. وقال سيجال روسين، من منظمة الخط الساخن للعمال المهاجرين أن “اللاجئين في الغالب يحترمون القانون وهم أناس متواضعون جداً. لكن بعضهم يلجأ إلى السرقات الصغيرة لشراء الطعام. وإذا لم تصدر لهم الحكومة الإسرائيلية تصاريح عمل فإن الموقف سوف يتدهور أكثر”.
لكن هذه ليست وجهة نظر وزير الداخلية إيلي يشاي، حيث نقل موقع الأخبار الإسرائيلي واي نت في أغسطس عنه قوله: “سأغير القانون لكي يتم وضع كل متسلل في السجن وسيقرر كل منهم حينها ما إذا كان يريد البقاء في السجن أو العودة إلى بلاده”.
الأثر على حقوق الإنسان
وعلى الرغم من أن الجميع يتفق على أن عدد المهاجرين وطالبي اللجوء الأفارقة انخفض بشكل جيد، فإن التفسير الدقيق محل خلاف، إذ تعتقد مصادر في مجتمع الإغاثة أن الانخفاض في العدد ليس بسبب الجدار فحسب ولكن بسبب المعاملة القاسية التي يلقاها طالبو اللجوء على يد الجيش والشرطة المصرية.
وهذا الرأي يلقى اعتراضاً من مصدر في الجيش الإسرائيلي يخدم على الحدود حيث قال : “هذا ليس صحيحاً. نحن نعرف أن المصريين والبدو لا يعاملون اللاجئين معاملة حسنة ولكن السبب الرئيسي في الانخفاض هو الجدار. وبمجرد أن يتم الانتهاء منه نتوقع أن نرى أعداداً أقل من المتسللين”.
وفي تصريح صحفي قال جنود الاحتياط الذين يخدمون على الجدار الحدودي أنهم يرون أعداداً “أقل وأقل” من طالبي اللجوء على الرغم من أنه في مرات كانت هناك محاولات لقطع الجدار. وأضافوا أن “المهربين البدو يجنون أموالاً طائلة من هؤلاء الناس وهم يفكرون الآن في كيفية التغلب على الجدار. نحتاج إلى مراقبتهم لمعرفة ماذا سيفعلون”.
ولكن على الرغم من أن التدابير الخاصة بالحد من الهجرة وقدوم طالبي اللجوء قد تعكس الواقع السياسي المحلي، تحذر المنظمات غير الحكومية الإنسانية التي تراقب توسيع مراكز الاحتجاز من الآثار السلبية لتلك التدابير.
وقال بيان مشترك حول تلك المسألة أصدرته منظمة آساف (وكالة معونة للاجئين وطالبي اللجوء في إسرائيل) ومنظمة أطباء لحقوق الإنسان أن “سجن آلاف الناس الأبرياء في ظروف قاسية في الصحراء ليس في مصلحة إسرائيل ولا يعالج القضية. وعلى الرغم من احتجاز الحكومة للآلاف، فقد ترك العديد منهم بلا وضع قانوني”.
وعلى الرغم من كونها من الدول الموقعة على اتفاقية اللاجئين لعام 1951 فقد ظلت إسرائيل واحدة من أصعب الدول في العالم التي يمكن فيها المطالبة بحق اللجوء. فقد اعترفت إسرائيل بــ 157 طالب لجوء فقط كلاجئين لديها منذ أن أصبحت من الدول الموقعة على الاتفاقية.