أكرّر ما قلت بوضوح في مقالتي السابقة يوم الثلاثاء الرابع عشر من نوفمبر الحالي بعنوان ” احتلال يعيش على الجرائم والوحشية” بأنّ استمرار هذا العدوان الاحتلالي الإسرائيلي هو عمل مدان بكل المقاييس، إذ أوقع هذا العدوان الإجرامي حتى الآن ما لايقل عن خمسين شهيدا فلسطينيا ومئات الجرحى، بالإضافة لتدمير واسع في المباني والمساكن الفلسطينية، كان من ضمنها تدمير كامل لمبنى الحكومة الفلسطينية في مدينة غزة.
مواقف عربية وإسلامية مجرد إدانات كلامية
وحتى هذه اللحظة لم ترتق المواقف العربية والإسلامية إلى ما يليق بهذا الهجوم الإجرامي المستمر والمتصاعد، حيث ينذر باجتياح بري كما حصل في عدوان عام 2008 على القطاع ذاته. صحيح أن موقف مصرالحالي الذي تمثل في زيارة رئيس الوزراء المصري للقطاع يوم الجمعة السادس عشر من نوفمبر الحالي لمدة ثلاثة ساعات ومعه بعض الوزراء المصريين، يختلف عن مواقف نظام حسني مبارك أثناء العدوان الاحتلالي عام 2008 ، إلا أنّه يبقى مجرد تضامن عاطفي غير المتوقع من مصر الجديدة في زمن حكم الإخوان المسلمين، خاصة عدم الجرأة على اتخاذ قرار بفتح دائم لمعبر رفح وفي الاتجاهين بدون أية قيود أو عمليات تنسيق مسبقة، حيث أنّ هذا المعبر هو منفذ القطاع الوحيد على العالم أجمع، خاصة في هذه الظروف التي تشير كافة التقارير والشهادات الميدانية إلى تدهور حاد في كافة ميادين الحياة اليومية للمواطن الفلسطيني في القطاع. وسأظلّ أكرّر نفس السؤال: ماذا يضير الشقيقة مصر من فتح دائم للمعبر بدون أية قيود؟. وإلا لماذا كانت كل الحدود بين القطاع ومصر مفتوحة بشكل دائم وبدون تأشيرات وتنسيقيات من عام 1948 حتى عام 1967 ، وكنّا سكان القطاع ومخيماته نتنقلّ ليلا نهارا من القطاع إلى كافة أرجاء مصر الشقيقة بدون أية قيود؟ لو كان هناك ضرّر يلحق بمصر من فتح هذه الحدود بهذا الشكل، هل كان النظام المصري آنذاك يبقيها مفتوحة طوال ما يقرب من عشرين عاما؟ وحتى بعد احتلال القطاع عام 1967 ظلت الحدود مفتوحة بشكل سهل وميسّر حتى عام 2000، فهل هناك خطر أو ضرر لحق بالشقيقة مصر شعبا ووطنا؟.
وأين نظام الملالي في طهران؟
في أوقات الهدوء وعدم إطلاق الرصاص والقذائف من قبل دولة الاحتلال على الشعب الفلسطيني، يملأ أحمدي نجاد رئيس جمهورية الملالي في طهران العالم والفضائيات زعيقا ضد دولة الاحتلال، ويهّدد ليلا ونهارا بمحوها من الوجود. وعندما يبدأ العدوان الإجرامي الوحشي لدولة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني يختفي أحمدي نجاد ونظامه، فلا نسمع تصريحا ولا نرى أثرا للتهديدات الفارغة، رغم الإدعاء الكاذب بقدرة صواريخ الملالي على الوصول إلى تل أبيب وتدميرها. فلماذا لم يطلقوا ولو صاروخا واحدا على الأقل كنوع من الإنذار والتحذير لدولة الإحتلال؟. إنّها مواقف كاذبة مخادعه تتاجر بدماء الفلسطينيين وقضيتهم فقط، وعندما يجدّ الجد يختفون في جحورهم بدون صوت أو ضجيج!!.
وكذلك نظام الممانعة والمقاومة الكاذبة في دمشق!!
نظام الممانعة والمقاومة الأسدي الوحشي مشغول بقصف الشعب السوري بكل ما يملك من أسلحة خاصة المدرعات والصواريخ والطائرات، موقعا منذ مارس 2011 ما يزيد على خمسة و أربعين ألف قتيل سوري، بالإضافة لمئات ألاف اللاجئين خاصة في الأردن وتركيا ولبنان والعراق، والغريب على الفهم أنّ اللاجئين السوريين الهاربين من وحشية النظام الأسدي وصلوا إلى الجزائر..كيف ؟. لا أعرف؟. لماذا لا يفتح نظام المقاومة والممانعة جبهة الجولان ضد الاحتلال تخفيفا للعبء الإجرامي على الشعب الفلسطيني في القطاع؟. وأعترف أنّ هذا سؤال ساذج، لأنّ نظاما لم يطلق رصاصة منذ عام 1973 لتحرير الجولان المحتل لن يطلق رصاصة انتصارا للقطاع المحاصر من كافة الاتجاهات. وليت المدافعون عن هذا النظام يجيبوننا أو يفهموننا كيف أصبح إذن هذا النظام يحمل صفة المقاومة والممانعة؟ من ناحيتي أفهم ذلك لأنه ممانع لحرية الشعب السوري ومقاوم لكل من يطالب بالديمقراطية وإعادة الثروة المنهوبة بالمليارات من قبل أخواله عائلة مخلوف وباقي عصاباته.
وتبريرات حسن نصر الله عذر أقبح من ذنب…أم كذب مكشوف!!!
وكذلك موقف حسن نصر الله وحزبه. فقد إدّعى في خطابه خلال إحياء الليلة الأولى من ليالي عاشوراء، أنّ ما يجري في سوريا هو ما يمنع محور المقاومة والممانعة من تقديم الدعم للشعب الفلسطيني في القطاع. وقد قال حرفيا: ( في سنة 2008 كان لدى محور المقاومة قدرة تقديم أشكال دعم لقطاع غزة..ولكن اليوم سوريا مشغولة بحالها وليست قادرة على أن تكون جزءا من الدعم اللوجيستي. القتال في سوريا يعمل ارباكا لأي محور دعم لغزة). ماذا أسمّي هذا الكلام؟ كذب أم افتراء على الحقيقة التي عشناها عام 2008 أم استخفاف بعقول الملايين من العرب والمسلمين؟ يا سيد المقاومة في عام 2008 لم يكن في سوريا ثورة ضد النظام الفاسد الإجرامي، فماذا قدّمت أنت وحزبك وهذا النظام المقاوم لدعم غزة؟ ليت حسن نصر الله أو أحد المصفقين لنظام الممانعة أو من يدافعون عنّه، يذكروننا ماذا قدّما في عام 2008 لدعم القطاع غير بيانات الإدانة والاستنكار، وهذا الدور قامت به عام 2008 واليوم في عام 2012 كل الدول العربية والإسلامية، فبماذا يختلف موقف سيد المقاومة ونظام ممانعته عن باقي مواقف ما يزيد على خمسين دولة عربية وإسلامية؟ هل أطلق حزب حسن نصر الله عام 2008 أو اليوم في عام 2012 رصاصة ضد الاحتلال دعما لقطاع غزة؟ أم نفس بيانات استنكار العرب فقط؟، أو هل أطلق رصاصة ضد الاحتلال منذ حربه على لبنان عام 2006 رغم تحليق طيران الاحتلال الدائم في أجواء الجنوب اللبناني؟ ومن ينسى تصريح سيد المقاومة بعد انتهاء حرب واجتياح عام 2006 الذي قال فيه حرفيا: ” لو كنّا نعرف بأنّ ردّ العدو سيكون بهذا المستوى لما أقدمنا على خطف الجنود الإسرائيليين)، الذين كان خطفهم سببا لبدء الاجتياح رغم أنّ الاحتلال لا يحتاج لسبب لاجتياح أو حرب يريدها لخدمة استمرار احتلاله.
الحرب الإجرامية الحالية على القطاع،
وما سبقتها من حروب واجتياحات تؤكد أنّ الشعب الفلسطيني في القطاع لم يتلق دعما ميدانيا من أي كان يرتقي لمستوى الحدث، سوى الكلام والخطابات ودعوات لاجتماعات طارئة للجامعة العربية ومنظمات عربية وإسلامية، ليتهم أرسلوا تكاليف هذه الاجتماعات لدفع رواتب بعض الموظفين الفلسطينيين في القطاع. وهل يجرؤ هولاء المحتجون خطابيا وكلاميا من نظام الملالي إلى سيد المقاومة وسيده نظام الممانعة ومعهم النظام التركي وكافة العرب العاربة والمستعربة على تجييش حملة مساعدات تشمل الغذاء والدواء والغاز وكافة احتياجات المحاصرين في القطاع، ويذهبون بها إلى مدينة العريش ومنها إلى معبر رفح دخولا للقطاع، وأعتقد أن الحكومة المصرية الحالية لن ترفض فتح المعبر أمام هذه المساعدات.فمن من العرب والمسلمين ومحاور المقاومة والممانعة والاستسلام يبدأ هذه الحملات الإنسانية؟ أم يتعين على الشعب الفلسطيني في القطاع أن يدرّك أنّه وحده في هذه المعركة حيث يقدّم الشعب الأعزل بطولات وصمودا يحرج ويفضح كافة العرب والمسلمين خاصة الأثرياء وأصحاب المليارات منهم. وليتهم يعرفون أنّهم ذاهبون عاجلا أم آجلا إلى القبر بدون هذه المليارات..فمن يستيقظ ضميره منهم أولا؟ وكذلك القيادات الفلسطينية خاصة في فتح وحماس فحتى هذه اللحظة لم يرتقيا لمستوى التحديات، ويعلنا صدقا وميدانيا انتهاء الانقسام الفلسطيني، فكل ما نسمعه بيانات فارغة عن ضرورة انهاء الانقسام أمّا ميدانيا فهم ضد المصالحة لأنّها ضد مصالحهم الشخصية والتنظيمية. إذا كان هكذا عدوان مجرم متوحش لا يوقظ ضمائرهم للعودة فورا لوحدة الشعب الفلسطيني وتضامنه، فهل ستوقظ هذه الضمائر اتفاقيات ورقية زادت حتى اليوم عن عشرة اتفاقيات في العديد من العواصم والمدن العربية من القاهرة إلى مكة إلى الدوحة وغيرها، وكذلك السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، إلى متى يستمر السكوت على التجول الحر الآمن لقوات الاحتلال في الضفة في أي وقت تريد ليلا ونهارا، تعتقل وتسجن وتقصف وتحاصر بدون أي رد فعل من السلطة، مما يجعل الضفة الغربية محتلة فعلا، ووجود السلطة مجرد أداة لتصريف الأعمال بدلا من إرهاق الاحتلال بهذه المهمة.
www.drabumatar.com