تركيا تتأهب لعملية عسكرية في الشمال السوري “أمريكا وروسيا ترفضان” مع غضّ الطرف عن الضربات الجوية التي شنتها تركيا ضد مواقع تابعة لقسد ، بقلم : د. إيمان شويخ
على الرغم من تقليل المواقف الدولية من فرص إقدام تركيا على بدء عملية برية جديدة في الشمال السوري، إلا أن التفجير “الإرهابي” الذي ضرب مدينة إسطنبول الأسبوع الماضي، فتح الباب للرئيس التركي ليستعرض عضلاته العسكرية قبل الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقررة في حزيران/يونيو 2023، والحجة حماية بلاده من الإرهاب، أي أن ذلك يجعل الناخب التركي يقبل بالعملية العسكرية التي يخطط أردوغان البدء بها وتظهر من حالة تأهب عسكري في القواعد التركية المنتشرة في الشمال السوري، والقريبة من الشريط الحدودي السوري.
وإذا كان الداخل التركي لايرحب بالعملية العسكرية لكنّه يرى فيها ضرورة بسبب استمرار تعرض المدن التركية القريبة من الحدود السورية للاستهداف، ولعل استهداف اسطنبول هو الذي زاد زخم الدعم الشعبي لأي عمل عسكري تقوم به تركيا لحماية مواطنيها قبل أن يتسلل الإرهاب إلى داخلها، إلا أنّ هذا الداخل سيتحمل تبعات اقتصادية في ظل تقلبات تعرض لها الاقتصاد التركي والعملة الوطنية التي هبطت مقابل الدولار في سبتمبر/أيلول الماضي لترتفع خسائرها حتى الآن هذا العام إلى أكثر من 28 في المئة، مادفع البنك المركزي إلى خفض بشكل غير متوقع سعر الفائدة، فضلاً عن تأثير العملية العسكرية البشري فهي ستلحق خسائر بشرية في الجيش التركي.
لكن المواقف الدولية لا تبدو مرحبة بالعملية العسكرية التركية شمال سوريا، خاصة موقف الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وشتان بين مصالح الأولى وحرص الثانية، لكنهما تتفقان عند رفض أي تصعيد بري في الشمال السوري، مقابل غضّ الطرف عن الضربات الجوية التي شنتها تركيا مؤخراً ضد مواقع تابعة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في المناطق المجاورة لتركيا.
فالتصريحات الروسية تؤكد الرفض وهو ماجاء على لسان المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف الذي قال “نحاول إقناع شركاءنا الأتراك بضرورة تجنب استخدام القوة المفرطة في الأراضي السورية”، وتناغمت التصريحات الأمريكية مع الرفض الروسي، حيث أعلن متحدث باسم الخارجية الأميركية أن بلاده “تعارض أي عمل عسكري يزعزع استقرار الوضع في سوريا”، مؤكداً أن “واشنطن أبلغت أنقرة ببواعث قلقها الشديدة من تأثير مثل هذا الهجوم على هدف محاربة تنظيم داعش”.
أما أردوغان الصديق لروسيا فيتهمها بعدم الالتزام باتفاق “سوتشي” بشأن تطهير المنطقة من “الإرهابيين”، ويعتبر أن “تركيا والولايات المتحدة الأميركية تنضويان معاً تحت مظلة حلف شمال الأطلسي، لكن واشنطن أرسلت رغم ذلك آلاف الآليات والأسلحة إلى منطقة الإرهاب في سوريا”.
ورغم المواقف الدولية الرافضة للعملية، فإن تركيا تبدو عازمة أكثر من أي وقت مضى على الذهاب باتجاه تنفيذ العملية التركية، وهو ما يمكن تلمسه من خلال تأكيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن عملية “المخلب – السيف” التي أطلقها الجيش التركي ضد مواقع حزب “العمال” و”قسد”، لن تقتصر على الضربات الجوية، وأن بلاده “لن تستأذن أحداً من أجل حماية أمنها من الإرهابيين”.
وبالتالي فإن تركيا قد تستغل الإجماع الشعبي على ضرورة عقاب الأطراف المتورطة في ضرب إسطنبول، خاصة إن الملف الوحيد الذي قد يكون محل إجماع كبير ومتماسك داخل تركيا هو ملف مكافحة حزب “العمال” الكردستاني و أن مواجهة هذا الحزب أو المنظمة ليس جديداً، وكل ما يحدث اليوم هو استمرار لعمليات سابقة.
ومع ذلك، تبقى التوقعات لجهة العملية العسكرية متباينة، لكن أردوغان أشار مطلع الأسبوع الجاري إلى تدمير 12 هدفًا تابعًا للإرهابيين المتمركزين في مدينة عين العرب (كوباني) شمالي سوريا، مشددًا على عدم وجود قيود بهذا الصدد وأن استمرار العملية وارد، مؤكدًا أنه من غير الوارد أن تقتصر (العمليات) على (الضربات) الجوية وسنتخذ القرار ونتشاور بشأن حجم القوات البرية التي يجب أن تنضم للعملية مع وحداتنا المعنية ووزارة دفاعنا وهيئة أركاننا وثم نتخذ خطواتنا بناءً على ذلك”.
وعليه فإن الرئيس التركي المنتمية بلاده الى حلف شمال الناتو يقف على حافة تقرير المصير، فهو تارةً يسعى للفوز بالانتخابات العام المقبل بعدما انخفض رصيده في تركيا بسبب الإخفاقات الاقتصادية، وطوراً هو لايريد زعزعة العلاقات مع دول الحلف ولا إغضاب الحليف الروسي فلاديمير بوتين، وفي الوقت نفسه يرعى اتفاقيات حبوب بين البلدين المتحاربين روسيا وأوكرانيا، كما أنّه يريد التودد والتقرب من سوريا من أجل حل ملف اللاجئين الذي أرهق تركيا، لكن تورط قواته في شمال سوريا سيبعد في الوقت الراهن أي مساعٍ لتقارب سوري-تركي كان يُمكن أن يحصل برعاية روسية، والسبب قبل كل شيء الحرب الروسية الأوكرانية التي أشغلت القوى الأساسية، وتنتظر تركيا أن تتموضع في عالمٍ جديد قد تكون فيه لاعبًا أساسيًا أو أقلّه مؤثرًا، كل ذلك رهن إطفاء زر الحرب المشتعلة لنرى المشهد دون غبار.
صحافية وكاتبة سياسية لبنانية