لعل وقع الحرب التي يشنها رئيس وزراء دولة الإحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من خلال وزير حربه إيهود بارك ، بات يرتد بنتائج عكسية لصالح المقومة الفلسطينية الباسلة ، لتغاير بذلك تماما حسابات باراك والتي ضلل بها رئيسه نتنياهو ، إذ سددت المقاومة لهم أقسى الضربات والتي أوجعت عمق دولتهم وفاقت كل التوقعات ، بل وأربكت ما يحيكه أزلام العرابين من عرب
الردة وقطعان العاربة والمستعربة في الغرف المظلمة ، والذين ما انفكو يسدلوا ظلال عباءاتهم المخملية السوداء على دولة الإحتلال وإنقاذها عبر الصفقات والهدن المفضوحة والتي تحاك في الحدائق الخلفية للبيت الأبيض الأمريكي وكواليس الكنيست الإسرائيلي وما ترمي إليه من النيل من إرادة شعبنا والفت من عضده ، وضرب المشروع الوطني التاريخي لقضيتنا العادلة ، والإلتفاف بالإنقسام الحاصل على الساحة الوطنية الفلسطينية من خلال اختلاف البرامج السياسية للفصائل الفلسطينية المتباينة ولوجا لتنفيذ أجندتها وبرامجها التي تهدف لتصفية القضية الفلسطينية .
وإذ ذهب أباطرة جامعة الدول العربية وعرابيها من أبطال منصاتها التي اعتلتها ذوي العباءات المخادعة في السنوات الأخيرة لإحداث تهدئة بأي شكل وثمن نظرا لما قد يعكر صفو مصالحهم وتوجهاتهم المقبلة فيما يخص ترتيب أوراق المنطقة وفقا لمقتضيات ما أحدثه الربيع العربي والبحث عن سبل تأمين السياسة الخارجية للدول العربية وفقا لهذا الإحداث الجديد ، غير أنه سبقتها ضربات المقاومة الفلسطينية الباسلة لتطال عمق دولة الإحتلال ، الأمر الذي أجهض تكتيك مؤامرة العدوان على غزة ، مما اضطر حكومة الإحتلال لرفض التهدئة ظننا منها بأن لديها القدرة على إعادة الإعتبار لقوة درعها الصاروخية والدفاعية وقببها الحديدية وسلاح جوها الكرتونية ، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من معنوياتهم التي اهتزت بفعل هذه الضربات المباركة والمتلاحقة ، بل ومرغت أنوفهم في التراب ، وبات كل من نتنياهو وباراك الذي أشار عليه بشن هذا العدوان في حالة من الحيرة والإرتباك الكبيرتين ، وأخذا يوغلان في الدم الغزي البريئ ، إذ يحاولان الخروج من هذا المأزق الكبير بأي شكل وبأي ثمن لإنزالهما عن الشجرة وبما يحافظ على ماء وجه حكومة حزب الليكود أمام الشارع الإسرائيلي وما ينتظرهم من انتخابات للكنيست الإسرائيلي حتى وإن كان على حساب الدم المراق في شوارع غزة . وهنا نرى بأن التاريخ يعيد نفسه ، فإيهود باراك الذي حث إيهود أولمرت رئيسة وزراء دولة الإحتلال الإسرائيلي عن حزب كاديما لخوض حرب شرسة على غزة عام 2008 قبيل الإنتخابات الإسرائيلية في حينه أملا في نيل ثقة الشارع الإسرائيلي بحزب كاديما بعدما تكبد هزائم عدة على يد المقاومة الفلسطينية وخصوصا أسر الجندي جلعاد شاليط في عهده إضافة إلى تحسين صورة الحزب أمام الناخبين الإسرائيليين بعد فضائح الفساد التي لاحقت أولمرت خلال فترة حكمه ، والتي أفضت نتائجها عن انتصار حزب حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو ، على حزب كاديما بزعامة تسيبي ليفني والذي منى بالهزيمة في تلك الإنتخابات ، من خلال تحالفه مع أفيقدور ليبرمان وإيهود باراك وغيره ، إذ تعتبر هذه الحرب على غزة في حينه أحد أسباب هزيمة حزب كاديما بزعامة ليفني والتي خرجت من هذه المعركة وحزبها يجرون أذيال الهزيمة وتاركين الجندي الأسير جلعاد شاليط في قبضة المقاومة في غزة ، غير أن باراك والذي سارع للتحالف مع نتنياهو ، للحوز على حقيبة الدفاع مرة أخرى ، على حساب حزب العمل الذي ألقى به خلفه لحساباته الشخصية ، وبالتالي تراجعت شعبية حزب العمل في الشارع الإسرائيلي والذي مني بهزيمة كبيرة أيضا عندما تخلى عن نهجه اليساري المزعوم من خلال تحالف زعيمه باراك مع أقصى اليمين الإسرائيلي بقيادة كل من نتنياهو وليبرمان لنيل حقيبة الدفاع ، مما دفع الحزب للإطاحة بباراك عن زعامته .
وكذلك الحال يقوم باراك مرة أخرى ليعود بذات التاريخ إلى حاضر المشهد وبنفس الطريقة يحث نتنياهو ليقبل على حربا مماثلة على غزة وبتكتيك سياسي آخرا ومختلفا إلى حد ما بل ويحمل في طياته مشروعا سياسيا كبيرا يهدف إلى إسقاط الإستحقاق الفلسطيني ( استحقاق الدولة الفلسطينية المستقلة ) من خلال اللعب على ورقة الإنقسام الفلسطيني وما ستفعل من فعل تلك المناورة في العدوان على غزة وظاننا بأن حساباته ستؤدي إلى فوز حزب الليكود بزعامة نتنياهو ، وبالتالي يستحوذ على ذات الحقيبة التي بحوزته أو يتقدم إلى وزارة الخارجية من خلال رفع رصيد الليكود ونتنياهو في الشارع الإسرائيلي بينما ساق الغرور الأخير لا سيما بعدما حرر جلعاد شاليط من قبضة المقاومة الفلسطينية عبر صفقة تبادل الأسرى الأخيرة والتي أبرمت في عهده ومن خلاله مباشرة ، وبما ستضيف له الحرب الحالية على غزة من تراكم يضاف إلى رصيده الذي حققه من خلال تلك الصفقة والتي تدور رحاها بأكثر قوة وبراعة سطرتها المقاومة الباسلة ، بل وأدحضت ما أشيع من قبل كل من ليفني وباراك إبان حرب 2008 بأنهم حققوا أهدافهم بوقف الصواريخ المتساقطة من غزة على دولتهممن خلال ضربهم للمقاومة وقواعدها هناك ، كما تثبت بأنها تطورت وبشكل كبير جدا خلال الأربع سنوات التي عقبت الحرب السابقة ، بل طالت عمق وزراة باراك ذاته ، وبذلك سيكون نتنياهو قد خرج هو وحزب الليكود من سدة الكنيست كما أخرج كاديما وليفني سابقا وقد أغرقه باراك في آتون معركة غير محسوبة كما أغرق من قبله ، وبذلك يكون بارك قد أفشل كل من حزب العمل وكاديما والليكود وتحطموا على صخرة المقاومة الفلسطينية الباسلة وقد عادوا جميعا بخفي حنين ، ولكن السؤال الذي يحضر بقوة في هذا السياق إلى أين وجهة باراك فيما بعد ذلك .