لقد عمد الشهيد ياسر عرفات إلى إعادة تأسيس وتكريس الحراك و العمل الطلابي وآمن بأن هذا الحراك والعمل لايقف عند مساعدة الطلبة وتأمين شروط أفضل في شؤونهم التعليمية وحسب ، بل راح يعمل على تنظيم الطلاب وتوعيتهم وتثقيفهم وتجنيدهم في العمل الوطني ، ومد هذا النشاط إلى أوساط الفلسطينيين كافة تجمعاتهم إنطلاقاً من الاعتقاد القائل بأن ذلك يجسد تعبيراً عن
السير على الطريق الصحيح والذي يؤدي إلى التحرير والعودة. ويبدو هذا جلياً إذا نظرنا إلى الأهداف التي أعلنتها الحركة الطلابية والشبابية فيما بعد وهي تحدد أهداف عملها وغاياتها وسبل تحقيقها من خلال أنظمتها ولزائحها الداخلية ، ففي القانون الأساسي لروابط الطلاب العرب الفلسطينيين والتى وضع لبتها الأولى الطالب الأول ياسر عرفات بل ونفخ فيها الروح لتصار إلى ما صارت عليه اليوم ، نجد أنها تقوم على أساس رفع المستوى الثقافي لعرب فلسطين، والاهتمام بأعضاء الروابط من الناحية الاجتماعية والمساهمة بالأعمال الخيرية والتطوعية ، والسعي لتوفير سبل العلم للطالب الفلسطيني ودراسة كافة مشاكل الطلبة الفلسطينيين والمساهمة في حلها ، وتنمية وعي شعبنا لقضية فلسطين وشرحها بشكل قومي صحيح، والاشتراك بالمؤتمرات الطلابية العربية والعالمية وشرح قضية فلسطين للرأي العام العالمي، وإعداد الشباب العربي الفلسطيني لمعركة النصر والعودة وتقرير المصير .
وقد عُرفت تلك الفترة من تاريخ الحركة الطلابية والشبابية الفلسطينية “بمرحلة الروابط”. وكانت رابطة القاهرة أقدم هذه الروابط وأنشطها ، والذي انتخب ياسر عرفات رئيساً لها في عام 1952 وظل كذلك حتى تخرجه عام 1956، حيث أسس رابطة الخريجين الفلسطينيين ، وترأسها أيضا .
واستطاعت الرابطة تحقيق إنجازات هامة على صعيد الحركة الطلابية والشبابية الفلسطينية ، فاعترفت بها جامعة الدول العربية والهيئات الرسمية كشخصية معنوية لها كيانها وذلك بسبب كونها أكبر هيئة شعبية فلسطينية منتخبة ، وكذلك مثلت الرابطة فلسطين لأول مرة على مستوى عالمي ، واستطاعت بإمكاناتها البسيطة أن تقف في وجه النفوذ الصهيوني وتصبح عضواً في اتحاد الطلاب العالمي ، ففي العام 1955 اشتركت الرابطة بمهرجان وارسو واجتماع صوفيا ، وفي عام 1956 دعيت الرابطة لحضور مؤتمر اتحاد الطلاب العالمي كعضو مراقب ، وعلى الرغم من محاولات الوفد الإسرائيلي إحراج وفد فلسطين وإخراجه من المؤتمر ، استطاع وفد الرابطة في النهاية أن يحصل على العضوية الكاملة في الاتحاد ، وفي عام 1957 اشتركت الرابطة باسم فلسطين في مهرجان الشبيبة والطلبة والذي أقيم في موسكو ، وفي المؤتمر الخاص لاتحاد الطلاب العالمي والذي عقد في بكين 1958 اعتبرت الرابطة عضواً عاملاً في هذا الاتحاد، وبقيام الاتحاد العام لطلبة فلسطين (29/11/1959) تحولت العضوية من الرابطة إليه وانتخب في المؤتمر السادس لاتحاد الطلاب العالمي عضواً عاملاً في لجنته التنفيذية .
وهنا نشير إلى أنه في أواخر الخمسينيات بادرت رابطة القاهرة بالاتصال برابطة الإسكندرية، وتشكلت منهما لجنة تحضيرية مع رابطتي دمشق وبيروت لتوحيد الجهود والدعوة لعقد مؤتمر “يكون نواة لتنظيم قطاع الطلاب من أجل تهيئتهم لخوض معركة استرداد فلسطين، عن طريق توطيد علاقات طلبة فلسطين مع كافة المنظمات الطلابية العالمية الوطنية ، العربية منها والأجنبية، وبالذات لتنسيق الجهود مع أطراف الحركة الطلابية العربية من أجل فلسطين ومعركة المصير المشترك .
إذن، مارس طلبة فلسطين في البداية نشاطهم من خلال تشكيل روابط طلابية في العواصم العربية ، ثم جاء الاتحاد العام لطلبة فلسطين في العام 1959 ليوحد هذا النشاط وينقل الحركة الطلابية والشبابية الفلسطينية إلى مرحلة جديدة ، وقد نصّ دستور الاتحاد العام لطلبة فلسطين ، في مقدمته على أن “التنظيم الشعبي الديمقراطي هو الطريق السليم للعودة المظفرة، وبأن الاعتراف بشخصية فلسطينية مستقلة يشكل دعامة أساسية لنضال شعبنا في سبيل العودة”.
ولقد كان غزو إسرائيل لقطاع غزة عام 1956 بداية لمرحلة استعادة الوعي الفلسطيني ، وانطلاق الشبيبة الفلسطينية من خلال ذراعها الطلابي لتلمّس المخارج من النكبة ، والانطلاق في مسارات استعادة الهوية الفلسطينية على طريق تحرير الإنسان والأرض الفلسطينية .
ولم يكن الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة درسا خاصا بفلسطينيي القطاع وحدهم ، بل أخذت تشهد بدايات حركة جديدة ، حيث أخذت بعض الطلائع الطلابية والشبابية تتحرك لبلورة عمل فلسطيني منظم ، وخلق وجود سياسي فلسطيني خاص .
ونستطيع القول أن السنوات الأولى التي تلت انسحاب إسرائيل من غزة شهدت الإرهاصات الجدية الأولى للكيانية الفلسطينية ، حيث ظهر عدد من الظواهر الكيانية الفلسطينية التي عبرت عن نفسها عبر مؤسسات مختلفة ، بعضها استمر وبعضها الآخر عجز عن الاستمرار وأصبح جزءاً من التاريخ ، ومن أهم تلك المؤسسات التي ظهرت قبل قيام منظمة التحرير الفلسطينية: الاتحاد القومي العربي في غزة، منظمة الأرض في مناطق الـ 48 داخل فلسطين المحتلة حركة فتح دون تحديد لمكانها وان أصدرت مجلة فلسطيننا في لبنان ، فيلق فلسطين في العراق ، الاتحاد العام لطلبة فلسطين في القاهرة .
ولقد ساهمت رابطة الطلبة الفلسطينيين في جامعة القاهرة والتي كان يترأسها ياسر عرفات آنذاك مساهمة رائدة في تشكيل الاتحاد العام لطلبة فلسطين كما أسلفنا ، حيث وجهت الدعوات لكل من روابط الإسكندرية ودمشق وبيروت وأسيوط لعقد أول مؤتمر طلابي فلسطيني في القاهرة ، وفي ذكرى تقسيم فلسطين 29/11/1959 عقد المؤتمر بحضور ممثلي الاتحادات الطلابية العربية والأجنبية بالإضافة لممثلي اتحاد الطلاب العالمي، ووضع المؤتمر دستور الاتحاد ولائحة تنظيمية لعمله ، واعتبر أن مهمته الأساسية هي خلق الإنسان الثوري القادر على المشاركة في معركة التحرير والإعداد للمعركة وتوعية الشباب الفلسطيني ، وذلك في خضم الخلافات التي ظهرت في المؤتمر التأسيسي (الأول) هذا حول أولوية العمل السياسي أو النقابي ، وبعد تشكيل الهيئة التنفيذية الأولى برئاسة زهير الخطيب باشرت عملها بإنشاء الفروع ، فإضافة لفرع مصر ، كان لفرع كونفدرالية ألمانيا الغربية دوراً بارزاً في تاريخ الاتحاد، واستطاعت الهيئة التنفيذية أن تبلور اللوائح والدستور بشكل واضح ، كما نشط الاتحاد على الصعيد الخارجي حيث شاركت وفود عدة في مؤتمرات مختلفة أبرزها مؤتمر اتحاد الطلاب العالمي ، ومؤتمر بغداد ومؤتمر بكين .
وعقد الإتحاد مؤتمراته العشرة فيما بين عامي 1959 – 1990 على النحو التالي :
*المؤتمر الوطني الأول في القاهرة بتاريخ 29/11/1959
*المؤتمر الوطني الثاني في غزة بتاريخ 28/10/1962
*المؤتمر الوطني الثالث في غزة عام 1963
*المؤتمر الوطني الرابع في القاهرة بتاريخ 6/12/1965
*المؤتمر الوطني الخامس في عمان بتاريخ 31/7/1969
*المؤتمر الوطني السادس في الجزائر بتاريخ 15/8/1971
*المؤتمر الوطني السابع في الجزائر بتاريخ 16/8/1974
*المؤتمر الوطني الثامن في بيروت بتاريخ 18/12/1978
*المؤتمر الوطني التاسع في الجزائر بتاريخ 12/2/1984
*المؤتمر الوطني العاشر في بغداد بتاريخ 3/5/1990
أما جلسات المجلس الإداري والذي يعتبر أعلى سلطة في ظل غياب المؤتمر العام فقد بلغت 37 جلسة (مؤتمر مصغر) كان آخرها المنعقد في مدينة غزة ما بين 29/6 _ 1/7/1998.
ومن المعروف والبدهي ، أن الشباب والطلبة هم جيش حركات التحرير في العالم منذ الحرب العالمية الأولى ، ولكن المميّز للطلبة والشباب الفلسطينيين أنهم لم يكونوا جنود حركة التحرير فقط ، بل كانوا القادة أيضا ، لدرجة أنه كان بالإمكان أن يطلق على الحركة الوطنية الفلسطينية منذ النكبة حتى الثورة الفلسطينية المسلحة المعاصرة أنها ثورة الشباب والطلبة ، مما يجعلنا نتفق مع المحللين السياسيين الذين قالوا: “ان الربيع الشبابي والطلابي الفلسطيني سبق الربيع العربي بعدة عقود ، إذ بدأ منذ أواسط خمسينيات القرن العشرين ، حيث تكاد تكون المرحلة (1956-1965) هي بجدارة مرحلة النشاط الشبابي الفلسطيني العلني والسري ، حيث تشكلت العديد من المنظمات الفلسطينية التي كانت جسما وقيادة من الشباب ، بل إن بعض هذه المنظمات تطورت وتعاظم دورها مثل حركة فتح والجبهة الشعبية وغيرهما ، وبعضها انحل وانضم أعضاؤها إلى المنظمات الناجحة ، وقد أطلق البعضُ ومنهم ياسر عرفات على الاتحاد العام لطلبة فلسطين “فقّاسة القيادات الوطنية الفلسطينية”، حيث يكاد يكون كل القيادات في المنظمات الفلسطينية (وخاصة فتح) قيادات في الجسم الطلابي والشبابي .
ولقد ظل الشهيد الرمز ياسر عرفات ، ينتمي لهذه المدرسة الطلابية ناهيك بأن كل ما سبق كان يرعاه ويتابعه بحذافيره على الرغم من انشغالاته المتعددة في ممارسة مسؤولياته الكبيرة على الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح ولوجا لتوليه رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية وما فتء يتابع عمل هذا الحراك الطلابي والشبابي ، بل دأب على التواصل مع قادته والفعاليات الطلابية والشبابية الميدانية ورعاها بكل مراحلها ومحطاتها المختلفة ويعتبر له الفضل الكبير على هذه المدرسة من خلال متابعته الحثيثة للحركة الطلابية والشبابية الفلسطينية والتي حظيت في عهده على المواقع المتقدمة في المنظمات الطلابية والشبابية الإقليمية والدولية ليصبح الإتحاد العام لطلبة فلسطين وهو الإطار الطلابي والشبابي الذي يمثل طلبة وشباب فلسطين عضوا مؤسسا ورائدا في الغالبية العظمى للمنظمات الطلابية والشبابية العربية والإقليمية والدولية ونذكر من هذه المنظمات :
*رئيس الإتحاد العام للطلبة العرب ، ونائب رئيسه فيما بعد
*نائب رئيس إتحاد الشابي العربي
*منسق غرب آسيا في اتحاد طلاب آسيا
*نائب رئيس إتحاد الطلاب العالمي لشؤون العلاقات الخارجية
*نائب رئيس فيدرالية الشباب الديمقراطي (وفدي) للمنطقة العربية
*عضوا في اتحاد الشبيبة الإشتراكية الدولية
*عضوا في اتحاد طلبة وشبيبة عدم الإنحياز
كما وأن الشهيد ياسر عرفات عمل على تمثيل الطلبة والشبيبة في المجلسين المركزي والوطني الفلسطيني وكذلك في مختلف أطر حركة فتح القيادية .
وعليه نستطيع القول بأن القائد الرمز الشهيد ياسر عرفات يستحق وبجدارة وامتياز لقب الطالب الأول لما نفخه من روح في الحركة الطلابية والشبابية الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية .
رحمه الله تعالى وأسكنه إلى جوار القديسين والبررة وعهدا أن لانخذل عهدتك فينا لتبقى الحركة الطلابية والشبابية الفلسطينية رهانك الذي مضيت على دربه وكبرت فلسطين وثورته به إلى أن نلقاك في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين وحسن أولئك رفيقا .
وفاءا :
إلى روح الخالد ياسر عرفات في الذكرى الثامنة لإستشهاده
دمشق في /
11/11/2012
بعض المراجع المستعان بها :
*جريدة حق العودة العدد 49
عبد الفتاح القلقيلي
*موقع الكاتب بكر أبو بكر