من لم يعرف الشهيد القائد الكبير محمد عباس” ابو العباس ، لا يعرف جبهة التحرير الفلسطينية ، فهو علم من أعلامها ورمزٌ من رموزها ، وأحد بناتها الأساسيين وكان على الدوام عمادا أساسيا من أعمدتها الراسخة ، فكان في حياته قائدا فذا ، ومناضلا شرسا ، وأسيرا شامخا ، ونموذجا رائعا ، وفي استشهاده شهيدا خالدا و قنديلا لن ينطفئ نوره ، نعم هذا هو امين عام جبهة التحرير الفلسطينية فارس فلسطين لمن لا يعرفه ، بل يعجز القلم عن وصف خصاله وتجف الكلمات حينما تسرد سيرته ، وتنحني القامات تقديراً حينما تتحدث عن بطولاته ومواقفه .
امام ذلك تأتي الذكرى السابعة والعشرون لعملية اكيلي لاورو ، هذه العملية التي ورد بحق ابطالها لغط كبير ، وكانت بوصلتها فلسطين ، حيث كتب ابطالها نماذج الفداء التي لا يماري فيها احد ولا يشك فيها عاقل، والتي قيل الكثير عنها بوسائل الإعلام وحاول العالم وصمها بالإرهاب وتم عمل أفلام ومسلسلات في واقعها خطت الكتب والمذكرات التي تستعرض تفاصيلها وتحدث عنها الكثيرون ولكنها ستظل علامة فارقه في نضال شعبنا الفلسطيني وستظل هذه العملية وأبطالها الذين استشهدوا او مازال منهم على قيد الحياة أبطال للشعب الفلسطيني ، وان سفينة اكيلي لاورو كانت وسيلة للوصول الى ميناء اشدود ، وكان هدف العملية واضح هو الرد على مجزرة حمام الشط في تونس الذي ذهب ضحيتها العشرات من الشهداء الفلسطينيون والتونسيون حيث مقر منظمة التحرير الفلسطينية بهدف اغتيال رمز فلسطين الشهيد القائد الرئيس ياسر عرفات، بعد خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان صيف عام 1982، والعمل من اجل اطلاق سراح الاسرى والمعتقلين ، وإثبتت العملية بانه يمكن للثورة الفلسطينية الوصول إلى أهدافها رغم كل الإجراءات الامنيه المتخذة واجتياز كل العوائق والمطالبه ، وأبراز قضية شعبنا في المحافل الدولية.
العملية لم تكن هدفها خطف مواطنين ، ولكن ما جرى على متنها هو اكتشاف ابطال المجموعة ، مما استدعى من قبل المجموعة قرار تحويل وجهتها الى مكان اخر حفاظا على دماء الابرياء ، وامام هذه العملية استغلت اسرائيل عبر وسائل الدعاية الصهيونية العملية واتهام الشهيد القائد ابو العباس بخطف السفينة الذي كان على متنها اربعمائة مواطن من جنسيات مختلفة ، حيث ان الشهيد ابو العباس لم يكن يعلم بما حصل من تطور على متن السفينة، مما جعله يتدخل من اجل ارجاع السفينة وانقاذ حياة المواطنيين الذين كانوا على متنها ، ولكن الغطرسة الامريكية قامت باختطاف الطائرة المصرية التي كان على متنها هو وابطال المجموعة ، وبعد هبوط الطائرة في احدى قواعد الناتو في جزيره صقليه في ايطاليا ، منعت القوات الايطالية اي جهة من الاقتراب من المجموعة وعملت على اطلاق سراح الشهيد القائد ابو العباس واحتجزت افراد المجموعة ، وأصبحت هذه العملية هاجس عند الاحتلال ، واثبتت العملية القدرة العالية للمناضلين بالتضحية والاستشهاد من اجل قضيه عادله هي قضية فلسطين التي استشهد من اجلها عشرات الآلاف.
وامام ذلك نرى أن عملية اكيلي لاورو كان هدفها واضح ، وبوصلة مناضليها كانت فلسطين ، ولم يتعود مناضلي جبهة التحرير الفلسطينية قتل الابرياء ، والشهيد القائد ابو العباس شكل علامة فارقه في تاريخ النضال الفلسطيني حتى استشهاده كان متسلحاً بنفس قناعاته وأرائه، وهو يمثل رمز من رموز عمالقة النضال الوطني الفلسطيني،الذين تركوا بصماتهم على النضال العربي والفلسطيني، وحافظوا على أن تبقى قضية شعبنا حية رغم ان محاولات دولية تسعى لأن تختزل حقوق الشعب الفلسطيني بدولة مقيدة بالعديد من الشروط التي تحتويها والتي تقوض إمكانات السيادة والاستقلالية لها.
ان عملية اكيلي لاورو والعمليات البطولية لجبهة التحرير الفلسطينية والفصائل الفلسطينية لم تكن لولا احتلال فلسطين من قبل كيان استيطاني عنصري صهيوني هجر الشعب الفلسطيني وما زال يستهدف الشجر والحجر والبشر وتهويد القدس ومصادرة الاراضي وبناء دولة المستوطنات داخل الضفة الفلسطينية ، وقد اثبتت الاحداث ان الصراع مع الاحتلال لم يتغير رغم مرور عشرون عاما على المفاوضات العقيمة التي لم تجلب سوى مزيدا من الكوارث من قبل الاحتلال , وخاصة ان طبيعة الصراع في فلسطين انما هو صراع وجود وليس صراع حدود مع الاحتلال الصهيوني .
ان سياسة حرق المراحل لم تؤتي نتائجها المرجوة فالاهمية الاولى يجب ان تعطى لتحرير الارض حتى يذعن العدو مكرها لارادة شعبنا الفلسطيني والتخلي عن مشاريعه بالقوة او بفرض المجتمع الدولي ارادته بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية وزوال الاحتلال.
لذلك نرى من الضرورة العمل السريع من اجل توحيد الصف الفلسطيني وذلك بانهاء الانقسام السياسي والجغرافي الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني. واذا كان التنازع على السلطة ساهم في تفريق الصف الفلسطيني فليوحدنا النضال في مواجهة الاحتلال فالضفة الفلسطينية لا زالت محتلة والقدس تتهود, وغزة لا زالت محاصرة والصراع مع العدو لا زال طويلاً.
إن تراث جبهة التحرير الفلسطينية الفكري والسياسي والنضالي والتنظيمي بالإضافة إلى وزنها ودورها في العملية الكفاحية ماضياً وحاضراً يؤكد أن الجبهة تمثل قطباً أساسياً في الثورة الفلسطينية المعاصرة, لها سماتها الخاصة وخصائصها المحددة ورؤيتها المميزة لمختلف الجوانب المتعلقة بالصراع وبالعملية النضالية وهذا ما تتطلع اليه جبهة التحريرالفلسطينية اليوم.
ومن هنا لا بد من القول ان كلمة الشهيد الكبير الامين العام ابو العباس في المؤتمر السابع للجبهة في تونس عام 1985 تضمنت العديد من القضايا البالغة الأهمية جاء فيها، ينعقد مؤتمرنا في ظل واقع دولي أصبحت فيه الولايات المتحدة الأمريكية سيد العالم ،وترافق مع ذلك تراجع النظام العربي الرسمي، واستسلامه شبه الكامل للغزوة الصهيونية وأننا اليوم نشاهد حالة استسلام رسمية شبه كاملة, اكدت على مدى الاستعداد للاعتراف بهذا الكيان الاسرائيلي ، على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، حيث رسم الشهيد ابو العباس بذلك ملامح المستقبل بقوله لابد أن نمارس كافة اساليب النضال ، مؤكدا على اهمية التجديد كمنهج حياة وممارسة شاملة تطال كافة جوانب العمل بهدف التطوير والتقدم الدائم للأمام, لاننا أمام واقع جديد ووضع جديد وبداية معالم مرحلة جديدة، تتطلب استراتيجية جديدة على ضوء المتغيرات الكبرى في العالم من ناحية, وعلى ضوء تجربة الثورة الفلسطينية وما أفرزته المرحلة السابقة من دروس, مشددا على ان حق العودة هو لب القضية الفلسطينية هذا الحق الفردي والقانوني والتاريخي والإنساني، مؤكدا ان المعركة السياسية التي تقودها قيادة منظمة التحرير ، تعبر بصدق عن الارادة الفلسطينية، مشددا أنه بدون البعد القومي والاممي والحاضنة العربية وتضامن احرار العالم مع النضال الفلسطيني،فإنه من غير الممكن أن يحقق الشعب الفلسطيني ،أهدافه في الحرية والاستقلال والعودة .
لهذا نؤكد ان القائد ابو العباس عاش واستشهد من اجل قضية شعبه، وستتذكره الأجيال القادمة،بأنه عاش من أجل فلسطين، واستشهد من أجلها وظل مفعما ومتسلحاً بالإرادة والأمل بالعودة إليها، واليوم رغم كل ما تشهده الساحة الفلسطينية من تشظي وانقسام، وما تعيشه المنطقة العربية من خلال سرقة الثوارت العربية للسطو والالتفاف عليها سواء من جهات داخل أوطانها أو من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والدول الاستعمارية، بهدف منع هذه الثورات من تحقيق اهدافها في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتوجيه البوصلة نحو فلسطين، لكن نقول ان شعباً عظيماً مثل الشعب الفلسطيني، قدم عشرات الآلاف من الشهداء وعشرات الآلاف من الأسرى ،ويتسلح بالإرادة ويمتلك من الإمكانيات والطاقات الشيء الكثير، لا يمكن له أن يهزم، وما يحدث ويجري على الساحة الفلسطينية، ما هو إلا سحابة صيف،وإن خطاب الرئيس محمود عباس في الجمعية العامة للامم المتحدة، شكل خطوة انعطافية نحو مرحلة سياسية جديدة.
واليوم نرى أن وحدة الشعب والأرض والمؤسسات تصون حق الشعب الفلسطيني في النضال بكافة اشكاله من أجل دحر الاحتلال والاستيطان وتحرير الأسرى واقامة الدولة المستقلة بعاصمتها القدس وضمان حق العودة وتقرير المصير، في مرحلة تتسم بطابعها التحرري الوطني تحت رايات منظمة التحرير التي تضم الجميع الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا في كافة أماكن تواجده.
ومن هنا تحتل مكانة شهر اكتوبر سمة خاصة في تاريخ شعبنا العربي والفلسطيني و تاريخ جبهة التحرير الفلسطينية ، فكانت انتصارات مجيدة سطرها الجيش العربي السوري والمصري بأسمى آيات البطولة والفداء في أكتوبر عام 1973 ، بغض النظر عن اخفاق وصول عملية اشدود الى سواحل فلسطين عام 1985 ، ولكن ابطالها قالوا للعالم و لقادة العدو الصهيوني نحن سنبذل الغالي والرخيص من اجل الرد على مجازركم ، ونحن على استعداد للتضحية في سبيل حرية فلسطين واسراها ، ونحن من يحدد الزمان و المكان المناسبين متى أردنا ،واليوم الشعب الفلسطيني بكل فصائله وقواه ومناضليه يرى ان الابعاد السياسية الراهنة التي تقوم بها القيادة الفلسطينية تتطلب ارادة فولاذية ورؤية ثاقبة والتفاف جماهيري .
ان مناضلي الشعب الفلسطيني الذين ترعرعوا على ارض فلسطين وفي اماكن اللجوء والشتات تمسكوا بكافة اشكال النضال، الذي يشهد لها التاريخ من أجل التحرير واستعادة الحقوق ، حيث اثبت هؤلاء الشباب اليوم انهم يقاتلون الاحتلال بحجارة من سجيل في نعلين وبلعين والمعصرة ودبوس والقدس، حتى أبهروا العالم بأسره لما فاقت الإنسانية من سباتها ورأت بالعين المجردة كيف يهزموا الاحتلال المدجج بالأسلحة ، كما فعل شباب و اطفال عزل في انتفاضة عام 1987 وانتفاضة الاقصى بشجاعة أسطورية لم تسجل مثيلها كل انتفاضات التاريخ.
خاتما ، الف تحية لشهداء عملية اكيلي لاورو و لشهداء فلسطين ولشهداء ملحمة النضال التونسي الفلسطيني في حمام الشط والعهد ان نبقى نناضل من اجل تحقيق الحرية والانتصار .
كاتب سياسي
شاهد أيضاً
اللجنة الرياضية لمحافظة سلفيت تزور نادي سرطة الرياضي
شفا – بتوجيه من محافظ سلفيت اللواء د.عبدالله كميل، نفذت اللجنة الرياضية في محافظة سلفيت …