شفا- تعد حصة الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء الإسرائيلية صغيرة جدًا، إذ لم تتجاوز 2% من إجمالي إنتاج الكهرباء. وذلك، رغم الموقف الحكومي الإسرائيلي الرسمي، بأن “إسرائيل”، بحلول عام 2020، ستنتج 10٪ من طاقتها من المصادر المتجددة.
واللافت، بحسب رابطة الطاقة الخضراء الإسرائيلية، أن عدد شركات الطاقة الشمسية في “إسرائيل” تراجع في السنوات الأخيرة، من حوالي 130 شركة عام 2010 إلى أقل من 60 شركة حالياً، فــ “النهب الإسرائيلي” لكميات ضخمة من الغاز الطبيعي الفلسطيني، خلال العقد الأخير، أدى إلى تراجع اهتمام الحكومة الإسرائيلية بالطاقة المتجددة.
ومع المشهد البائس في مجال الطاقات المتجددة في “إسرائيل”، تتبجح الأخيرة بكونها رائدة في مجال الطاقات النظيفة، بينما هي في الواقع، واحدة من بين مجموعة صغيرة من الدول (25 دولة فقط) ليس لديها خطة معتمدة للتعامل مع الأزمة المناخية، كما لا يوجد لديها قانون مناخ، ولم تعلن رسميًا عن حالة طوارئ مناخية، إضافة إلى أنه ليس لديها ضريبة كربون معتمدة.
والمفارقة، أن “إسرائيل” حاولت تسويق نفسها في مؤتمر المناخ الدولي الأخير في غلاسكو ((COP26 بأنها في طليعة الدول في مجال تطوير واستخدام الطاقات المتجددة؛ فشاركت بوفد ضخم في المؤتمر، كان من أكبر الوفود (نحو 120 شخصا) اشتمل على وزراء وموظفين حكوميين وممثلين عن القطاع الخاص الإسرائيلي وخبراء وأكاديميين.
وتعهدت “إسرائيل” في المؤتمر، بأنها ستخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 27٪ بحلول عام 2030، وهذا التعهد، حتى لو تحقق على الأرض، يبقى بعيدًا عن تعهد العديد من دول العالم، وفي مقدمتهما دول الاتحاد الأوروبي، بخفض انبعاثاتها بنسبة 45٪ بحلول عام 2030.
غزة تتحدى شح الكهرباء
في مقابل النفاق المناخي الإسرائيلي، نجد أن الحصار والتجويع الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي ضد أهلنا في قطاع غزة، منذ نحو ستة عشر عامًا، لم يجعلهم يستكينون للمحتل، بل ازدادوا عنفوانًا وإصرارًا على تحدي الأخير وابتكار الإنجازات التقنية والعلمية لتلبية احتياجاتهم الحياتية، بما في ذلك الطاقة الكهربائية؛ فقد شرعوا منذ سنوات طويلة، في توسيع البنية التحتية للطاقات المتجددة، وتحديدًا بالاستفادة من الطاقة الشمسية باستخدام الألواح الشمسية التي تعمل بطريقة الخلايا الكهروضوئية. إذ أصبح مشهدًا مألوفًا رؤية تلك الألواح في المباني العامة والسكنية والمستخدمة على نطاق واسع في مختلف أنحاء القطاع.
كلنا يعلم بأن قطاع غزة بسبب الحصار الوحشي يعاني نقصًا حادًا جدًا في الكهرباء؛ لا سيما أن النظام الكهربائي الرسمي يعمل حاليًا بجدول 8 ساعات وصل تقابلها 8 ساعات فصل.
وتشير المعطيات التي بحوزتنا إلى أن سكان القطاع تعلّموا كيفية التعامل مع شح الكهرباء بمساعدة الطاقة الشمسية.
قبل نحو عشر سنوات، كان نطاق استخدام مصدر الطاقة هذا ضئيلًا، أما اليوم، فإن ربع قدرة توليد الكهرباء هناك يأتي من الألواح الشمسية؛ أي أن حصة الطاقة المتجددة من إجمالي الطاقة الكهربائية المستهلكة بقطاع غزة، تفوقت على ما هو قائم في “إسرائيل” ذاتها، رغم قدرات الأخيرة التكنولوجية والعلمية الهائلة التي لا تُقارن بالقطاع ذي المساحة الهامشية من إجمالي مساحة فلسطين التاريخية.
ولتوضيح مدى التعاظم الحاصل في إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، يكفي الإشارة إلى أن عدد مواقع مصدر الطاقة الشمسية في القطاع، ارتفع من 591 عام 2015 إلى 3456 عام 2017 New Political Economy, April 2021)). انتشار التصاميم الشمسية واسع ولا يشمل المدن الغزية فحسب، بل أيضًا مخيمات اللاجئين، حوالي 96٪ من الألواح الشمسية نُصبت على أسطح المباني الزراعية أو المساكن.
تُستخدم الطاقة التي توفرها الألواح لشحن البطاريات التي تزود الكهرباء، في حين أن عملية بناء الألواح تسارعت بسبب الحروب الإسرائيلية المتعاقبة ضد القطاع، والتي نجم عنها حدوث أعطال كبيرة وخطيرة بشبكة الكهرباء، وبالتالي ازدادت أهمية الألواح الشمسية مصدرًا بديلًا للطاقة.
ومما سهل انتشار تكنولوجيا الطاقة المتجددة، أن “إسرائيل” لم تتعامل مع الألواح الشمسية باعتبارها مادة “إشكالية” أمنيًا، وبالتالي لم تُوضع قيود على دخولها إلى القطاع، وذلك خلافًا لمواد البناء أو الوقود السائل اللذين تزعم “إسرائيل” بإمكانية استخدامهما في بناء الأنفاق والمنشآت والاستخدامات العسكرية الأخرى.
علاوة على ذلك، أدى عدم وجود حكومة مركزية فعالة قادرة على حل أزمة الكهرباء، وغياب الأجسام الاقتصادية القادرة على الاستثمار في هذا المجال- إلى دخول بعض المنظمات الأجنبية والدولية إلى المشهد، فعملت على تحويل الموازنات إلى ثلة من المقاولين والمنظمات غير الحكومية الذين ساعدوا في تشييد منشآت الطاقة الشمسية على أسطح المباني.
والمفارقة أن غياب تنظيم قطاع الطاقة في غزة ساعد عمليًا في انتشار منشآت الطاقة الشمسية، لأنه سمح بتركيب وتشغيل الألواح بسرعة، كما أن الانخفاض العالمي في أسعار الخلايا الشمسية، ساهم في زيادة الجدوى الاقتصادية لمصدر الطاقة الشمسية للسكان ذوي الدخل المنخفض على وجه الخصوص.
ماذا تُعلمنا التجربة الغزية؟
يمكننا عمومًا؛ وفي الضفة الغربية بخاصة؛ أن نتعلم من التجربة الغزية في مجال الطاقة، وذلك بإطلاق مبادرات مجتمعية لتركيب الخلايا الشمسية على الأسطح، بهدف تشجيع السكان والمجتمعات والسلطات المحلية على تركيب أنظمة الطاقة الشمسية، ومساعدتهم في الحصول على معلومات حول شركات التركيب العاملة في السوق.
حاليًا، قد تصل تكلفة تركيب النظام الشمسي إلى عشرات قليلة من آلاف الشواقل، لكن النظام يعيد الاستثمار في غضون خمس إلى ست سنوات عن طريق بيع فائض الكهرباء المولدة في النظام إلى شركات الكهرباء الفلسطينية، وأيضا بالتخلص من تكلفة شراء الكهرباء من الشركات المحلية التي تشتريها بدورها من “إسرائيل” التي تفرض شروطها على تلك الشركات وتتحكم في الكميات والأسعار والتوزيع.
في البداية، المبادرات المجتمعية قد تسهم في تركيب عشرات قليلة من الأنظمة على أسطح المنازل الخاصة، لكن، بعدئذ سيزداد عدد الناس المهتمين بتركيب أنظمة مشابهة، بما في ذلك في الوحدات السكنية بالمباني المشتركة.
الجهات المجتمعية المبادرة في الأحياء السكنية بالمدن، يمكنها عقد اجتماعات مع السكان وممثلي السلطات المحلية. لكن، توسيع المبادرات لتشمل الوحدات السكنية في المباني المشتركة يعد أمرًا معقدًا بعض الشيء. ففي تلك المباني يجب الحصول على موافقة جميع القاطنين لتركيب النظام الشمسي والتفاوض مع لجنة العمارة.
ولتسهيل عملية التركيب في المبنى السكني المشترك، بالإمكان تأجير سطح المبنى لشركة تركيب المنشآت الشمسية، بحيث تعمل الشركة على تشييد النظام وصيانته، وتدفع للقاطنين في المبنى جزءًا من أرباح بيع الكهرباء.
المبادرات المجتمعية للطاقات المتجددة، يمكن أن تستمد التشجيع من دراسة نُشرت أخيرًا في مجلة Nature، والتي فحصت العوامل المؤثِرة على قرار تركيب النظام الشمسي. وقد أجرى الدراسة في مدينة فريسنو بكاليفورنيا علماء أميركيون ومعهد بوتسدام لدراسات تأثير المناخ في ألمانيا.
وخلصت الدراسة إلى أن احتمالية إنشاء النظام الشمسي في مبنى سكني ما تزداد كلما كان ذلك المبنى أكثر قربًا من منشأة شمسية قائمة؛ ما يشير إلى أن الألواح الشمسية عند الجيران تشجع أولئك القاطنين بجوارها على السير على خطاهم.