شفا – كتب طارق الحميد*: أثناء الحرب الإسرائيلية على غزة في مستهل 2009 كانت هناك انتقادات لحركة حماس، على رعونتها بتعريض غزة للدمار والخراب فقط لخدمة أهداف إيران، وحزب الله، وبشار الأسد، في المنطقة، حيث كان هناك عقلاء يقولون إنها حرب غير مبررة، ومغامرة أخرى لحماس بعد مغامرة حزب الله في لبنان 2006.
على أثر ذلك، انطلقت حملة مسعورة وقف خلفها كل من إيران، ونظام الأسد، وحزب الله، وتم على أثرها إعداد قائمة للكتاب الصحافيين الذين انتقدوا حماس، ومتاجرتها بالدماء الفلسطينية، حيث انتشر وقتها ما سمي زورا «قائمة العار»، و«أصدقاء إسرائيل» حتى إن موقع «بي بي سي» العربي قام حينها بإعداد قصة عن هذه الحملة، وجاء في مستهل القصة: «نشرت عدة منتديات محسوبة على التيارات الإسلامية قائمة ضمت أسماء عشرات الكتاب العرب تتهمهم فيها بتبرير الهجمات الإسرائيلية على غزة، وذلك لانتقادهم سياسات حركة حماس وحزب الله وإيران». والحقيقة، إنها لم تكن «منتديات» وحسب، بل صحفا سورية، وفضائيات، وصحافيين آخرين كانوا يصدقون ما يسمى «ممانعة»!
وفي 14 يناير (كانون الثاني) 2009 كتبت في هذا المكان مقالا بعنوان: «حماس غزة.. وحماس دمشق» قلت فيه، إن هناك فرقا كبيرا بين حماس غزة، وحماس دمشق، والتباين واضح في المواقف والتصريحات. وجن جنون حماس والمتعاطفين معها في حينه، لكن ما الذي حدث الآن؟ ولماذا نستحضر هذه القصص في 2012؟ السبب بسيط، ومهم، فاليوم أقرت حماس بأن الخلافات بين قيادات حماس في غزة، وخالد مشعل، باتت لا تسمح حتى باستمرار مشعل على رأس حماس، مما يستوجب رحيله! وهذا ليس كل شيء، بل إن نفس الأجهزة التي كانت تدافع عن مشعل، سواء حزب الله، أو إيران، أو نظام الأسد، وقامت بإعداد «قوائم العار» تلك نصرة له، وتشويها لسمعة من خالفوه على المتاجرة بدماء أبناء غزة، ها هي نفس المجموعة تعود اليوم في 2012 لتقول، إن خالد مشعل نفسه عميل صهيوني، ومتاجر بالمقاومة، وعضو فيما سموه «فرقة التطبيل»، ووصفوه بالعار والشنار.
فقد شن التلفزيون الأسدي في دمشق هجوما كاسحا على مشعل إلى حد القول: «تذكّر يوم تشردك وتسكعك بالأجواء حتى جاءتك رحمة الشام». أما صحيفة «كيهان» الإيرانية الصادرة من مكتب المرشد الأعلى، فقد قالت، إن مشعل «نسي السنوات التي كان يعيش فيها تحت الحماية السورية خلال إقامته وعمله في دمشق، يتصرف وكأنه عميل صهيوني. فهو مستعد للتضحية بشعب فلسطين مقابل طموحاته الشخصية»!
حقا، إن شر البلية ما يضحك، وإن حبل الكذب أقصر من عمامة بعض المتآمرين. فها هم يقومون بتصفية بعضهم البعض، وبنفس الأوصاف التي كانوا يصفون بها العقلاء، حيث تحول مشعل إلى عميل، ومتآمر! إلا أنه يتبقى سؤال مهم وهو: ألا يشعر بعض المطبلين في الإعلام العربي، والذين كانوا يرددون دعاية محور التدمير في منطقتنا، إيران وحزب الله والأسد، بشيء من الخجل الآن؟ اللهم لا شماتة!
*رئيس تحرير “الشرق الأوسط” السعودية