النفاق الإسرائيلي.. والعودة إلى الاتفاق النووي! بقلم : هاني حبيب
تم إرجاء المحادثات النووية إلى منتصف الأسبوع القادم، والجولة السابعة في فيينا جرت في الواقع على إيقاع إسرائيلي غير مسبوق، فقبل أن يطلب رئيس الحكومة نفتالي بينيت من الولايات المتحدة وقفاً فورياً للمباحثات، كانت إسرائيل قد أجرت عدّة مناورات عسكرية مختلفة الأهداف بالشراكة مع حلفاء وأصدقاء بعضهم من أنظمة التطبيع العربية، وأعلنت عن ميزانية إضافية تقدّر بخمسة مليارات دولار لشراء أسلحة تمكنها من إعلان الحرب على إيران، بينما السفير الأميركي الجديد يقدّم أوراق اعتماده للرئيس الإسرائيلي، في وقتٍ سيكون فيه رئيس «الموساد» ديفيد بارنيا، ووزير الحرب غانتس يتوجهان إلى واشنطن هذه الأيّام.
إيقاع إسرائيلي من خلال بعدين أساسيين، تهديد عملي بالتوجه للحرب على إيران، ونشاط سياسي مكثّف للضغط على إدارة بايدن لوقف المفاوضات وعدم العودة إلى الاتفاق، فهل إسرائيل جادّة في حقيقة الأمر في أن العودة إلى الاتفاق حول الملف النووي الإيراني تتعارض مع مصالحها الحقيقية، أم أن هذا الإيقاع يخفي في واقع الأمر حقيقة أن الدولة العبرية لها مصلحة أكيدة في العودة إلى الاتفاق؟
محافل إسرائيلية عديدة ترى أن نتنياهو رئيس الحكومات السابقة ارتكب حماقة كبيرة عندما اختلف مع إدارة أوباما حول الاتفاق، وأنه أقدم على كارثة عندما دعم وربما اقترح على الرئيس ترامب بالعودة عن الاتفاق، وزير الحرب الإسرائيلي موشي يعلون اعتبر قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق الأسوأ والخطأ الأكبر في وقت كان فيه في منصبه أثناء التوقيع على هذا الاتفاق، أما الجنرال غادي أيزنكوت رئيس الأركان في تلك الفترة فقال، إن نتيجة الانسحاب تعتبر سلبية صافية بالنسبة لإسرائيل، كونه حرّر إيران من كل القيود ودفع برنامجها النووي نحو التطور.
بعض الآراء التي تنشرها وتبثها وسائل الإعلام الإسرائيلية، تعتب على بادين أنه لم يسارع فور وصوله إلى البيت الأبيض بالإعلان المباشر عن العودة إلى الاتفاق، ذلك أن إيران استفادت أكثر من تردد الإدارة الأميركية، فزادت من قدراتها النووية، ما شكّل أداة تفاوضية إضافية ضاغطة على المباحثات الراهنة، كما أن إيران استثمرت الفترة الزمنية في زيادة خبراتها وأبحاثها واعتمادها على النفس أكثر من أي وقتٍ مضى، وبينما كانت تدحرج زمنيًا الوصول إلى الجولة السابعة الراهنة وخلال خمسة أشهر حصل ما يشبه الانقلاب فيما يتعلق بالمفاوضات حول الاتفاق نتيجة لوصول طاقم رئاسي على رأس السلطة في طهران أكثر تشدداً، بحيث وضع نتائج الجولات السابقة جانبًا وبدأ من الصفر، مطلِقًا على المفاوضات أنها ليست للعودة عنه بل بشأن إلغاء العقوبات والحصول على ضمانات بعدم الانسحاب منه كما فعل ترامب.
وآراء أخرى تشير إلى أن الحروب الإسرائيلية على غزة قد فشلت فماذا عن حرب على إيران، إسرائيل مارست الضغط العسكري الذي لم ينجح في قطاع غزّة بينما تحاول أن تقدم على تسهيلات ورشاوى للمقاومة في القطاع لتبريد الأجواء بديلاً من الحل العسكري، فلماذا يتكرر هذا الأمر مع إيران باللجوء إلى الخيار العسكري غير المضمون النتائج. تسيفي برئيل في «هآرتس يُشير إلى أنّ تكرار تجربة غزة مع إيران يجب أن يشكّل درسًا، أما يوسي ملمان المحلل الأمني في صحيفة هآرتس فقد وصف التهديدات الإسرائيلية بالحرب على إيران بأنها ليست فقط غير ضرورية، بل إنها فارغة وتجاوز كل التحليلات عندما طالب الولايات المتحدة بالعودة إلى الاتفاق، ولكن مع توفير مظلة نووية أميركية للدفاع عن إسرائيل وحلفائها العرب، مثلما تفعل أميركا مع كوريا الجنوبية في المواجهة مع جارتها الشمالية.
وقد يرى البعض أن التلويح بالخيار العسكري الإسرائيلي ضد إيران ما هو إلا شكل من أشكال الحرب النفسية، ولكي يستخدم كورقة ضاغطة من قبل الولايات المتحدة أثناء المفاوضات مع إيران، إلا أن البعض الآخر يسخر من هذه الآراء، فبعدما راهن البعض على أن العقوبات من شأنها الضغط على إيران على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، ما يولّد ثورة ضد النظام، تبيّن سقوط هذا الرهان، بل إنه أدى إلى وصول المتشددين إلى سدة الحكم، بينما تشكّل هذه التهديدات في الفجوة بين إسرائيل وحليفتها الاستراتيجية أميركا، في وقت يعتبره بعض رجالات الكونغرس بأنه تدخل وقح في السياسة الخارجية الأميركية من قِبل حليف ما زال قادرًا على الاستمرار بسبب الدعم السياسي والمالي من قِبل واشنطن.
إذاً، إسرائيل عاجزة عن الخيار العسكري، والعقوبات لتردع إيران، فإن مصالح إسرائيل تكمن في عدم وصول إيران إلى عتبة القوة النووية وامتلاكها، وهذا ما يوفره فقط العودة إلى الاتفاق. مع ذلك فإن التجربة أشارت إلى أن الجنون الإسرائيلي قد يؤدي إلى الحل العسكري، أو هذا على الأقل ما تخوّف منه توماس فريدمان كاتب العمود الشهير في «نيويورك تايمز» قبل أيام.