مبادرة اللجنة الرباعية الخاصة بالوضع السوري التي أطلقها الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي، وتضم مصر والمملكة العربية السعودية وتركيا وإيران، واجتمعت فعلا يوم الاثنين العاشر من سبتمبر 2012 في القاهرة، استغربت منذ البداية صدورها عن الرئيس المصري الذي عرف بموقفه الصريح والجريء الواضح من نظام الوحش القاتل في سوريا. ومصدر الغرابة لديّ يعود لعاملين معروفين للجميع:
1 . أصبح واضحا أنّ نظام الوحش السوري يرحب فعلا بكافة المبادرات أيا كان صاحبها وخلفياتها وتفاصيلها، ليس لأنّه حريص على تسوية الوضع السوري وإنهاء إراقته لدم الشعب، ولكن لأنّه يستغل موافقته على هذه المبادرات لخداع الرأي العالم العربي والغربي في أنّه جاد لتسوية هذا الوضع، وفي الوقت ذاته يستمر في تنفيذ هدفه الرئيسي الخفي والمعلن وهو استمرار القتل وسفك الدماء بكافة الوسائل. والدليل على ذلك موافقته على كل المبادرات السابقة التي أفشلتها دمويته ومجازره:
_ مبادرة المراقبين العرب االذين وصلوا ومارسوا عملهم وانسحبوا معلنين خيبتهم وفشلهم.
_ مبادرة المراقبين الدوليين الذين وصلوا أيضا وشاهدوا المجازر وأدانوها وانسحبوا.
_ مبادرة الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، وانسحب معلنا انتهاء مهمته بالخيبة وعشرات ألاف القتلى من الشعب السوري المطالب بحريته وكرامته.
وستلقى المبادرة الجديدة التي أوكلت لمندوب الجامعة العربية الأخضر الإبراهيمي نفس النتيجة، الفشل وألاف جدد من ضحايا الشعب السوري.
2 . وجود النظام الإيراني ضمن مجموعة هذه المبادرة مع دول ثلاثة (مصر ، السعودية، وتركيا) وهنا مصدر الغرابة الأكثر دهشة، لأنّ هذه الدول الثلاثة لها مواقف واضحة من الوضع السوري، وهي مواقف الإدانة والاستنكار لما يرتكبه الوحش وعصاباته بحق الشعب السوري. فتركيا تدين هذه الجرائم بوضوح متحد لنظام الوحش فاتحة حدودها لما لا يقلّ حتى الآن عن مائة ألف لاجىء سوري. والمملكة العربية السعودية كذلك، فكما أعلن الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي من مقر الأمانة العامة للمجلس في الرياض في الثالث عشر من يونيو 2012 أنّ” دول المجلس قرّرت إغلاق سفاراتها في دمشق تأكيدا لموقفها الرافض لتمادي النظام السوري في القتل والتنكيل بالشعب السوري الأعزل، وتصميم النظام على الخيار العسكري وتجاهل كل المساعي للخروج من الوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب السوري الشقيق”. وزيادة على ذلك طالب الأمين العام للمجلس “المجتمع الدولي باتخاذ مواقف حازمة وعاجلة لوقف ما يجري في سورية من قتل وتعذيب وانتهاك صارخ لكرامة الانسان السوري وحقوقه المشروعة”. أمّا مصر فقد قال رئيسها الدكتور محمد مرسي في افتتاح الدورة الجديدة لمجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة في الخامس من سبتمبر 2012 ، وهي الأولى له في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، مخاطبا وحش سوريا: ‘لا مجال للكبر أو المزايدة. لا تستمعوا إلى الأصوات التي تغريكم بالبقاء فلن يدوم وجودكم طويلا… إن لم تفعلوا فعجلة التاريخ ماضية” . وفي تصريحات أخرى طالبه صراحة بالتنحي لأنّ الشعب السوري ما عاد يقبله رئيسا له.
أمّا موقف إيران الدولة الرابعة في مبادرة الدكتور مرسي فموقف نظامها ليس متناقضا فقط مع موقف الدول الثلاثة في المبادرة المذكورة، بل هو داعم بنفس الوحشية لنظام الوحش، حيث يدعمه سياسيا وإعلاميا ويمدّه بالمال والسلاح من كافة الأنواع، والرجال من الحرس الثوري الذين يؤمّنون حراسة الوحش وكبار عصابته لأنّه لم يعد يثق في أي حارس أو مرافق سوري، بعد اغتيال قياداته الأمنية المتوحشة: آصف شوكت نائب وزير دفاعه، داود راجحة وزير دفاعه، محمد الشعار وزير داخليته ، و هشام بختيار رئيس مكتب أمنه القومي، وحسن تركماني معاون رئيس الجمهورية أي معاون الوحش نفسه. ولأنّ النظام الإيراني يعرف أنّه سيكون وحيدا في وجهة نظره وممارساته الداعمة المؤيدة لوحش سوريا، أمام دولتين عربييتين وتركيا الداعمة للشعب السوري والمطالبة برحيل الوحش، قام النظام بحركة غير متوقعة مطالبا بضمّ داعمين له للمبادرة مثل دولة البرازيل، لأنّ رئيسها هوغو تشافيز أيضا من أشدّ المؤيدين، متبنيا نظرية أنّ هذا الوحش يتعرض لمؤامرة كونية، لا أدري هل هي من استناجاته الخاصة أم استعارها من( كوليت خوري) أول من اكتشفت هذه المؤامرة الكونية، وهي تعمل منذ شهور كما سمعت لاكتشاف من أية مجرّة فضائية انطلقت هذه المؤامرة كي يلاحقها الجيش الإليكتروني للوحش!!!.
فكيف ستنجح مبادرة تجمع مواقف متناقضة؟
لذلك فهذه المبادرة ليس مصيرها الفشل فقط ، بل تعطي الوحش مزيدا من الوقت والفرص والذرائع للاستمرار في ارتكاب المجازر والمذابح بحق الشعب السوري. وهذا هو المستغرب أن تخفى كل هذه الوقائع والحيثيات على الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي ليطلق هذه المبادرة التي أعتقد أنّه نفسه رغم إطلاقه لها يعرف مسبقا فشلها، خاصة أنّه أول من أعلن صراحة ضرورة رحيل وتنحي وحش سوريا فهل سيبحث المجتمعون مسألة رحيله هذه؟. وأعتقد أن بقية الدول المشاركة تعرّف مسبقا بأنّها مبادرة فاشلة، بدليل مستوى التمثيل في اجتماعها الأول في القاهرة، الاثنين العاشر من سبتمبر 2012 ، حيث كان تمثيل الدول الأربعة على أدنى المستويات التي لا تستطيع اتخاذ أي قرار، فقد كان الحضور هم مساعدو وزراء خارجية الدول الأربعة، أي لم يكلّف وزراء الخارجية أنفسهم عناء الحضور لاجتماعات شكلية ومجرد ديكورات تضاف لاجتماعات عديدة سبقتها لم تطرح علانية رحيل وحش سوريا، الذي بعد جرائمه التي فاق ضحاياها ثلاثون ألفا من قتلى الشعب السوري غير ألاف المعتقلين والمفقودين، لم يعد الشعب السوري يطلب رحيله، بل القبض عليه ومحاكمته ليلقى مصيرا في الغالب لن يختلف عن مصير مخرّب ليبيا القذافي.
ملاحظة في نفس السياق
قامت السلطات الكندية يوم الجمعة، السابع من سبتمبر 2012 ، بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع النظام الإيراني، معلنة أنّ الدبلوماسيين الكنديين قد غادروا طهران فعلا وداعية المواطنين الكنديين لتجنب السفر إلى إيران، ومعطيّه الدبلوماسيين الإيرانيين خمسة أيام لمغادرة الأراضي الكندية، وقد أورد وزير الخارجية الكندي “جون بيرد” عدة أسباب لقرار كندا الشجاع هذا منها ” أن نظام طهران يقدم دعماً عسكرياً إلى نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، الذي يواجه إدانة دولية واسعة، بسبب حملة القمع الدموية التي تشنها القوات الحكومية لسحق احتجاجات المعارضة التي تنادي برحيله عن السلطة” ، بالإضافة إلى أنّ إيران ” من أكثر الدول انتهاكا لحقوق الإنسان في العالم”. هل تقوم الدول العربية مجتمعة بنفس الخطوة الكندية إزاء نظام الوحش تضامنا ودعما للشعب السوري؟.
www.drabumatar.com