صناعة الأمن الفكري ، بقلم : د. سيف الجابري
إن مصطلح الأمن الفكري من المصطلحات الحديثة والتي لم يسبق للكثير من الناس معرفتها، وحينما نطلق هذا المصطلح يعتقد البعض أنه الموضوع الذي يتعلق بمعالجة أي انحرافات فكرية فحسب، إلا أن هذا يعد خطأ، فالأمن الفكري يقوم على أمرين الأول: نشر الفكر السليم والصحيح الذي به يتحقق الأمن للناس، والثاني المتعلق بالمعالجة التي تتم على الانحرافات الفكرية سواء كانت خاصة بالعقائد أو السلوكيات أو المجتمع أو حتى الأفراد، ولذا يعد الأمن الفكري ضرورة حتمية للمجتمعات بصورة عامة وللمجتمع الإسلامي بصورة خاصة، فهو ضرورة دينية ودنيوية.
صناعة الأمن الفكري
يعد الأمن الفكري الركيزة الأساسية لأمن المجتمعات، إذ إنه يهتم ببناء العقول والثقافة والسلوك ويحميها من أي أفكار هدامة يمكن أن تعصف بها، ولذا كان لا بد من إلقاء الضوء عليه فهو يحقق التماسك المجتمعي، والوحدة في المنهج والفكر وفي الغاية.
إن أحد فروع الأمن بل أساس أي أمن، وذلك انطلاقاً من تحقيق عبارة أن الإنسان إذا امتلك فكراً صحيحاً راشداً يمكنه التمتع بأنواع الأمن الأخرى كافة المتعلقة بحياته ومجتمعه من أمن ديني واجتماعي وسياسي واقتصادي، وبيئي، وغذائي، وثقافي، ويمكن من خلاله بلوغ العبقرية والإبداع والنبوغ، فأرقى الحضارات التي قامت على مر التاريخ لم تقم إلا في وجود فكر سليم وبيئة مطمئنة وآمنة.
ولذا لكي نصنع أمناً على المستوى المجتمعي لا بد من صناعة أمن فكري من خلال استقامة فكر الفرد والعمل على تخليصه من أي شوائب تتعلق بثقافة زائفة سيطرت عليه وحالت بينه وبين تحقيق السلم الاجتماعي والرخاء، وكذلك يمكن صناعة الأمن الفكري من خلال تحصين فكر الإنسان من أي انحراف يظهر في سلوكه ويعد خطراً على أمن المجتمع واستقراره.
وكذلك فإن تطوير المناهج التعليمية ولا سيما في المرحلة الثانوية والجامعية وهي أخطر المراحل في عمر الشباب أحد الأساليب الوقائية التي تقف كحاجز منيع أمام أي اختراقات فكرية، ونعطي الشباب فرصة لتكوين أمن فكري ذاتي والتسلح بما يصنع منهم جيلاً منفتحاً ومتسامحاً من خلال الالتزام بمبادئ التسامح والعدل والوسطية.
ومن أهم الخطوات التي يجب أن نسير عليها لصناعة الأمن الفكري: ترسيخ مبادئ حرية الرأي وقبول الآخر، ورصد الأفكار المنحرفة والمتطرفة ومحاولة التدخل بصورة سلمية لتغيير تلك الأفكار والقناعات عن طريق المناقشة والجدال الإنساني، وكذلك صوغ خطط فكرية يمكن تحويلها لبرامج تطبيقية ملموسة من خلال تطبيق مبدأ التدرج المرحلي، وبناء أفكار إيجابية ورؤى عملية مستمرة من خلال الدورات التدريبية والندوات ووسائل الإعلام وعقد مؤتمرات يكون موضوعها عن الأمن الفكري وأسباب فقدانه وكيفية صناعته.
فما يشهده عالمنا اليوم من تدمير وإرهاب نتعرض له وإخلال بأمن الوطن؛ إنما هو إحدى نتائج فقدان الأمن الفكري أو حدوث خلل به، فكل جريمة لا بد من أن يكون وراءها فكر منحرف، وقد أرسى ديننا الحنيف قواعد أمننا الحياتي من جميع الجوانب، وحثنا على تحقيق الإيمان والتقوى لكي يحصل الأمن وتطيب حياتنا فقد قال الله عز وجل في كتابه الكريم: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام: 82].
الأمن الفكري كذلك كما هو ضرورة دينية فهو ضرورة دنيوية من ناحية أن حياة البشر لا يمكن أن تطيب إلا من خلال العبادة والأمن والاستقرار والطمأنينة، ولذا فإن واقعنا الآن يفرض علينا حتمية صناعة الأمن الفكري للإنسان في مختلف المجالات وعلى شتى المستويات ومن خلال الخدمة الوطنية والاستعانة بمتخصصي مواجهة الأمن الفكري وذلك من أجل العناية بالعقل البشري وحمايته من أي أفكار متطرفة.